للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحد، وكذلك مَن زعم منهم - كما حكاه ابن المنذر عنهم - أنّ بيع العرايا منسوخ بالنهي عن بيع الثمر بالتمر؛ لأن المنسوخ لا يكون بعد الناسخ. انتهى (١).

وقوله: (بِالرُّطَب، أَوْ بِالتَّمْرِ) قال في "الفتح": كذا عند البخاريّ ومسلم من رواية عُقَيل، عن الزهريّ بلفظ "أو"، وهي مُحْتَملة أن تكون للتخيير، وأن تكون للشك، وأخرجه النسائيّ، والطبرانيّ، من طريق صالح بن كيسان، والبيهقيّ من طريق الأوزاعيّ، كلاهما عن الزهريّ، بلفظ: "بالرطب وبالتمر، ولم يرخص في غير ذلك"، هكذا ذكره بالواو، وهذا يؤيد كون "أو" بمعنى التخيير، لا الشكّ، بخلاف ما جزم به النوويّ، وكذلك أخرجه أبو داود، من طريق الزهريّ أيضًا، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، وإسناده صحيح، وليس هو اختلافًا على الزهريّ، فإن ابن وهب رواه عن يونس، عن الزهريّ بالإسنادين، أخرجهما النسائيّ، وفرّقهما.

وإذا ثبتت هذه الرواية كانت فيها حجة للوجه الصائر إلى جواز بيع الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص أيضًا على الأرض، وهو رأي ابن خيران من الشافعية، وقيل: لا يجوز، وهو رأي الإصطخريّ، وصححه جماعة، وقيل: إن كانا نوعًا واحدًا لم يجز؛ إذ لا حاجة إليه، وإن كانا نوعين جاز، وهو رأي أبي إسحاق، وصححه ابن أبي عصرون، وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل، والآخر على الأرض، وقيل: ومثله ما إذا كانا معًا على النخل، وقيل: إن محله فيما إذا كانا نوعين، وفي ذلك فروع أخر يطول ذكرها، وصَرَّح الماورديّ بإلحاق البسر في ذلك بالرطب. انتهى (٢).

وقوله: (وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) فيه أن الترخيص خاصّ في العرايا بالرطب، وبالتمر، وقد اختلف السلف هل يُلحق العنب، أو غيره بالرطب في العرايا؟ فقيل: لا، وهو قول أهل الظاهر، واختاره بعض الشافعيّة، منهم المحبّ الطبريّ. وقيل: يُلحق العنب خاصّة، وهو مشهور مذهب الشافعيّ، وقيل: يُلحق كل ما يُدّخر، وهو قول المالكيّة، وقيل: يُلحق كلّ ثمرة، وهو


(١) "الفتح" ٥/ ٦٥٤.
(٢) "الفتح" ٥/ ٦٥٤ - ٦٥٥.