وقال ابن قُدامة رحمه الله: ولا يجوز بيع العرية في غير النخل، وهو اختيار ابن حامد، وقول الليث بن سعد، إلا أن يكون مما ثمرته لا يجري فيها الربا، فيجوز بيع رطبها بيابسها؛ لعدم جريان الربا فيها، ويَحْتَمِل أن يجوز في العنب والرطب دون غيرهما، وهو قول الشافعيّ؛ لأن العنب كالرطب، في وجوب الزكاة فيهما، وجواز خرصهما، وتوسيقهما، وكثرة تيبيسهما، واقتياتهما في بعض البلدان، والحاجة إلى أكل رطبهما، والتنصيص على الشيء يوجب ثبوت الحكم في مثله، ولا يجوز في غيرهما؛ لاختلافهما في أكثر هذه المعاني، فإنه لا يمكن خرصها؛ لتفرّقها في الأغصان، واستتارها بالأوراق، ولا يُقتات يابسها، فلا يحتاج إلى الشراء به.
وقال القاضي: يجوز في سائر الثمار، وهو قول مالك، والأوزاعيّ؛ قياسًا على ثمرة النخيل. ولنا ما روى الترمذي؛ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، نهى عن المزابنة: الثمر بالتمر، إلا أصحاب العرايا، فإنه قد أذن لهم، وعن بيع العنب بالزبيب، وكل ثمرة بِخِرْصها. وهذا حديث حسن، وهذا يدل على تخصيص العرية بالتمر، وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه رخّص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب، أو بالتمر، ولم يرخص في غير ذلك، وعن ابن عمر، قال: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن المزابنة، والمزابنة: بيع ثمر النخل بالتمر كيلًا، وبيع العنب بالزبيب كيلًا، وعن كل ثمرة بخرصه، ولأن الأصل يقتضي تحريم بيع العرية، وإنما جازت في ثمرة النخيل رخصة، ولا يصح قياس غيرها عليها؛ لوجهين:
[أحدهما]: أن غيرها لا يساويها في كثرة الاقتيات بها، وسهولة خرصها، وكون الرخصة في الأصل لأهل المدينة، وإنما كانت حاجتهم إلى الرطب دون غيره.
[الثاني]: أن القياس لا يُعْمَل به، إذا خالف نَصًّا، وقياسهم يخالف نصوصًا غير مخصوصة، وإنما يجوز التخصيص بالقياس على المحل