العُصْفُر، أو الكُرْسُف، أو الكتان، أو الغزل، أو ما أشبه ذلك من السِّلَع، لا يُعلَم كيلُ شيء من ذلك، ولا وزنه، ولا عدده، فيقول الرجل لرب تلك السلعة: كِلْ سلعتك، أو مُرْ من يكيلها، أو زِنْ من ذلك ما يوزن، أو اعدُد من ذلك ما يُعَدّ، فما نقص من كذا وكذا صاعًا فعليّ غُرْمُه، وما زاد على ذلك فهو لي، أضمن ما نقص من ذلك الكيل، أو الوزن، أو العدد على أن يكون لي ما زاد، فليس ذلك بيعًا، ولكنه الغرر، والمخاطرة، والقمار.
ومن ذلك أيضًا أن يقول الرجل للرجل له الثوب: أضمن لك من ثوبك هذا كذا وكذا ظِهارةَ قلنسوةٍ قدر كل ظِهارة كذا وكذا، فما نقص من ذلك فعليّ غُرْمُه، وما زاد على ذلك فهو لي، ثم ذكر أمثلة أخرى، ثم قال: فهذا كله، وما أشبهه من الأشياء من المزابنة التي لا تجوز. انتهى تفسير مالك رحمهُ اللهُ مع إسقاط بعضه اختصارًا (١).
وفسَّر الشافعيّ رحمهُ اللهُ المزابنة بأنه بيع ما حَرُم فيه التفاضل جَزَافًا بجزاف، أو معلومًا بجزاف، أو مع التساوي، ولكن أحدهما رطب ينقص إذا جَفّ، قال: وأما إذا قال: أضمن لك صُبْرتك هذه بعشرين صاعًا، فما زاد فلي، وما نقص فعليّ تمامها، فهذا من القمار، وليس من المزابنة.
قال ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: وما قدّمنا عن أبي سعيد الخدريّ، وابن عمر، وجابر في تفسير المزابنة يشهد لما قاله الشافعيّ، وهو الذي تدلّ عليه الآثار المرفوعة في ذلك، قال: ويشهد لقول مالك - والله أعلم - أصل معنى المزابنة في اللغة؛ لأنه لفظ مأخوذ من الزَّبْن، وهو المقامرة والدفع، والمغالبة، وفي معنى القمار: الزيادة والنقص أيضًا، حتى قال بعض أهل اللغة: إن القمر مُشتقّ من القمار؛ لزيادته ونقصانه، فالمزابنة والقمار والمخاطرة شيء واحد، يشبه أن يكون أصل اشتقاقها واحد، تقول العرب: حَرْبٌ زَبُونٌ؛ أي: ذات دفع، وقمار، ومغالبة، قال أبو الغول الطهويّ [من الوافر]: