للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم فيمن باع نخلًا عليها ثمر:

قال ابن قُدامة رحمهُ اللهُ: في هذه المسألة فصول ثلاثة:

[الأول]: أن البيع متى وقع على نخل مثمر، ولم يشترط الثمرة، وكانت الثمرة مؤبرة، فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبرة، فهي للمشتري، وبهذا قال مالك، والليث، والشافعي. وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري في الحالين؛ لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقة، فكانت تابعة له، كالأغصان، وقال أبو حنيفة، والأوزاعيّ: هي للبائع في الحالين؛ لأن هذا نماء له حَدٌّ، فلم يتبع أصله في البيع؛ كالزرع في الأرض.

واحتجّ الأولون بقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر، فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع"، متفق عليه، وهذا صريح في رَدّ قول ابن أبي ليلى، وحجة على أبي حنيفة، والأوزاعيّ، بمفهومه؛ لأنه جعل التأبير حدًّا لملك البائع للثمرة، فيكون ما قبله للمشتري، وإلا لم يكن حدًّا، ولا كان ذكر التأبير مفيدًا، ولأنه نماء كامن لظهوره غاية، فكان تابعًا لأصله قبل ظهوره، وغير تابع له بعد ظهوره؛ كالحمل في الحيوان، فأما الأغصان، فإنها تدخل في اسم النخل، وليس لانفصالها غاية، والزرع ليس من نماء الأرض، وإنما هو مُودَعٌ فيها.

[الثاني]: أنه متى اشترطها أحد المتبايعين، فهي له مُؤَبَّرة كانت، أو غير مؤبرة، البائع فيه والمشتري سواء، وقال مالك: إن اشترطها المشتري بعد التأبير جاز؛ لأنه بمنزلة شرائها مع أصلها، وإن اشترطها البائع قبل التأبير لم يجز؛ لأن اشتراطه لها بمنزلة شرائه لها قبل بُدُوّ صلاحها بشرط تركها.

قال: ولنا أنه استثنى بعض ما وقع عليه العقد، وهو معلوم، فصح كما لو باع حائطًا، واستثنى نخلة بعينها، ولأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَهَى عن الثنيا، إلا أن تُعلَم"، ولأنه أحد المتبايعين، فصحّ اشتراطه للثمرة كالمشتري، وقد ثبت الأصل بالاتفاق عليه، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن يشترطها المبتاع"، ولو اشترط أحدهما جزءًا من الثمرة معلومًا، كان ذلك كاشتراط جميعها في الجواز، في قول جمهور الققهاء، وقول أشهب من أصحاب مالك. وقال ابن القاسم: لا يجوز اشتراط بعضها؛ لأن الخبر إنما ورد باشتراط جميعها.