للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذا كان له مال فالجناية فيه، فإن وسع الجناية بقيت الرقبة لسيده، وإن لم يكن له مال؛ تعلَّقت برقبته، فكان الرقبة مرجع عند العدم. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال العلّامة ابن قُدامة رحمهُ اللهُ: إذا باع السيّد عبده، أو جاريته، وله مال، ملّكه إياه مولاه، أو خصه به، فهو للبائع؛ لما رَوَى ابنُ عمر - رضي الله عنهما -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من باع عبدًا، وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع"، متّفقٌ عليه، ولأن العبد، وماله للبائع، فإذا باع العبد، اختَصّ البيع به دون غيره، كما لو كان له عبدان، فباع أحدهما، وان اشترطه المبتاع، كان له للخبر، وروى ذلك نافع عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -، وقَضَى به شُرَيح، وبه قال عطاء، وطاوس، ومالك، والشافعيّ، وإسحاق، وقال الْخِرَقيّ: إذا كان قصده للعبد لا للمال، هذا منصوص أحمد، وهو قول الشافعيّ، وأبي ثور، وعثمان الْبَتّيّ، ومعناه أنه لا يقصد بالبيع شراء مال العبد، إنما يقصد بقاء المال لعبده، وإقراره في يده، فمتى كان كذلك صح اشتراطه، ودخل في البيع به، سواء كان المال معلومًا، أو مجهولًا، من جنس الثمن، أو من غيره، عينًا كان أو دينًا، وسواء كان مثل الثمن، أو أقل، أو أكثر، قال البتي: إذا باع عبدًا بألف درهم، ومعه ألف درهم، فالبيع جائز، إذا كانت رغبة المبتاع في العبد، لا في الدراهم، وذلك لأنه دخل في البيع تبعًا غير مقصود، فأشبه أساسات الحيطان، والتمويه بالذهب في السقوف، فأما إن كان المال مقصودًا بالشراء، جاز اشتراطه، إذا وجدت فيه شرائط البيع من العلم به، وأن لا يكون بينه وبين الثمن ربًا، كما يعتبر ذلك في العينين المبيعتين، لأنه مبيع مقصود، فأشبه ما لو ضَمّ إلى العبد عينًا أخرى وباعهما، وقال القاضي: هذا ينبني على كون العبد يملك، أو لا يملك، فإن قلنا: لا يملك فاشترط المشتري ما له صار مبيعًا معه، فاشتُرِط فيه ما يشترط في سائر المبيعات، وهذا مذهب أبي حنيفة، وإن قلنا: يملك احتُمِلت فيه الجهالةُ وغيرها، مما ذكرنا من قبلُ؛ لأنه تبع في البيع، لا أصل، فأشبه طيّ الآبار،


(١) "المفهم" ٤/ ٣٩٩ - ٤٠٠.