عبد الرحمن بن مهديّ، عن سَلِيم بن حَيّان، فقال في روايته:"قلت لجابر: ما تُشقحُ … إلخ"، فظهر أن السائل عن ذلك هو سعيد، والذي فسره هو جابر.
قال: وقد أخرج مسلم الحديث من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن أبي الوليد، عن جابر مطولًا، وفيه:"وأن يشتري النخل حتى يُشْقِه، والإشقاه أن يَحْمَرّ، أو يصفرّ، أو يؤكل منه شيء"، وفي آخره:"فقال زيد: فقلت لعطاء: أسمعت جابرًا يذكر هذا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: نعم"، وهو يَحْتَمِل أن يكون مراده بقوله هذا جميع الحديث، فيدخل فيه التفسير، ويَحْتَمِل أن يكون مراده أصل الحديث، لا التفسير، فيكون التفسير من كلام الراوي، وقد ظهر من رواية ابن مهديّ أنه جابر، والله أعلم.
ومما يقوّي كونه مرفوعًا وقوع ذلك في حديث أنس أيضًا، وفيه دليل على أن المراد ببدوّ الصلاح قدر زائد على ظهور الثمرة، وسبب النهي عن ذلك خوف الغرر؛ لكثرة الجوائح فيها، وقد بئن ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه -: "فإذا احمرّت، وأُكِل منها أُمنت العاهة عليها"؛ أي: غالبًا. انتهى.
وقوله:(تَحْمَارُّ، وَتَصْفَارُّ، وَيُؤْكَلُ مِنْهَا) قال الخطابيّ رحمهُ اللهُ: لم يُرِد بذلك اللون الخالص من الصفرة والحمرة، وإنما أراد حمرةً، أو صفرةً بكمودة، فلذلك قال:"تحمارّ، وتصفارّ"، قال: ولو أراد اللون الخالص لقال: تَحْمَرّ، وتصفرّ.
وقال ابن التين: التشقيح تغيّر لونها إلى الصفرة والحمرة، فأراد بقوله:"تحمارّ، وتصفارّ" ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن تشبع، قال: وإنما يقال: تَفْعَالّ في اللون الغير المتمكن، إذا كان يتلون، وأنكر هذا بعض أهل اللغة، وقال: لا فرق بين تَحْمَرّ، وتَصْفَرّ، وتحمارّ، وتصفارّ.
ويَحْتَمِل أن يكون المراد: المبالغة في احمرارها واصفرارها، كما تقرر أن الزيادة تدل على التكثير والمبالغة. انتهى (١).
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام البحث فيه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.