للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جملة مستأنفة بيّن بها معنى بيع السنين. هي المعاومة في الرواية الأخرى، وعلى هذا فيتّفق مع رواية هؤلاء، فتأمله.

ووقع في "مختصر القرطبيّ" بلفظ: "وفي رواية: بيع السنين عِوَضَ المعاومةِ"، وهذا إن لم يكن إصلاحًا من القرطبيّ، ففيه دلالة أن "هي" في قوله هنا: "هي المعاومة" مصحّفة عن لفظ "عوض"، والله تعالى أعلم بالصواب.

وقوله: (وَعَنِ الثُّنْيَا) - بضمّ الثاء المثلّثة، وإسكان النون، مقصورًا - بمعنى الاستثناء، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "والثُّنْيَا" - بضمّ الثاء مع الياء، و"الثَّنْوَى" بالفتح مع الواو: اسم من الاستثناء، وفي الحديث: "من استثنى فله ثنياه" (١)؛ أي: ما استثناه، والاسْتِثْنَاءُ: استفعال من ثَنَيت الشيءَ أَثْنِيهِ ثَنْيًا، من باب رَمَى: إذا عَطَفْته، ورددته، وثَنَيْتُهُ عن مراده: إذا صرفته عنه، وعلى هذا فَالاسْتِثْنَاءُ: صرف العامل عن تناول المستثنى، ويكون حقيقةً في المتصل، وفي المنفصل أيضًا؛ لأن "إلّا" هي التي عَدّت الفعل إلى الاسم، حتى نصبه، فكانت بمنزلة الهمزة في التعدية، والهمزةُ تعدّي الفعل إلى الجنس، وغير الجنس حقيقةً وفاقًا، فكذلك ما هو بمنزلتها. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "عن الثنيا": هي الاستثناء، والمراد: الاستثناء في البيع، وفي رواية الترمذيّ وغيره بإسناد صحيح: "نَهَى عن الثُّنْيا إلا أن يُعْلَم"، والثنيا المبطلة للبيع قوله: بعتك هذه الصبرةَ إلا بعضها، وهذه الأشجارَ أو الأغنام، أو الثياب، أو نحوها إلا بعضها، فلا يصح البيع؛ لأن المستثنى مجهول، فلو قال: بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة، أو هذه الشجرة إلا ربعها، أو الصبرة إلا ثلثها، أو بعتك بألف إلا درهمًا، وما أشبه ذلك من الثنيا المعلومة صح البيع باتفاق العلماء، ولو باع الصبرة إلا صاعًا منها، فالبيع باطل عند الشافعيّ، وأبي حنيفة، وصحح مالك أن يُستثنى منها ما لا يزيد على ثلثها، أما إذا باع ثمرة نخلات، فاستثنى من ثمرها عشرة آصع مثلًا للبائع،


(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجه في "سننه" (١/ ٦٨) بلفظ: "من حلف، فقال: إن شاء الله، فله ثُنْياه".
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٨٥.