للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فمذهب الشافعيّ، وأبي حنيفة، والعلماء كافةً بطلان البيع، وقال مالك، وجماعة من علماء المدينة: يجوز ذلك ما لم يزد على قدر ثلث الثمرة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: و"الثُّنْيَا" - بالضم والقصر، على وزن الكُبرى - هي: الاسم من الاستثناء، وكذلك: الثَّنوى - بفتح الثاء - على وزن: طَرْفَى، ذكر ذلك في "الصحاح"، قال الهرويّ: بيع الثُّنيا هو: أن يُستثنى من المبيع شيء مجهول، فيفسد البيع، وقال القتبي: هو أن يبيع شيئًا جزافًا ويستثني منه شيئًا.

قال القرطبيّ: والحاصل: أن الثنيا اسم جنس لما فيه استثناء، سواء كان ذلك من البائع، أو من المبتاع، فيكون الأصل في كل ذلك المنع؛ لأجل النَّهي، غير أن في ذلك تفصيلًا يظهر بصور:

الأولى: جائزة باتفاق، وهي: أن يستثني البائع نخلات معينات من حائط، قلَّت، أو كثرت؛ لأن البيع لم يقع عليهنّ، بل على ما عداهنّ.

الثانية: أن يستثني نخلات مجهولات، أو كيلًا مجهولًا من الثمرة؛ على أن يعيّن ذلك بعد البيع، فذلك ممنوع فاسد باتفاق؛ لتناول النهي له وللجهل بالمبيع والغرر.

الثالثة: أن يستثني من الثَّمر كيلًا معلومًا، فذهب الجمهور إلى أن ذلك لا يجوز منه قليل ولا كثير، ورأوا أن ذلك النهي متناول له؛ لما فيه من الجهالة، وذهب مالك في جماعة أهل المدينة إلى أن ذلك جائز فيما بينه وبين ثلث الثمرة، ولا يجوز زيادة على ذلك. ورأوا: أن خرص الثمرة وحَزْرها مما يُعرف مقدارها، وأن استثناء القليل منها لا يكثر فيه الغرر، والقليل من الغرر مغتفر في مواضع كثيرة من الشرع، وما دون الثلث قليل.

قال: وهذا تخصيص للعموم بالنظر.

الرابعة: أن يستثني جزءًا من الثمرة مشاعًا، فيجوز عند مالك وعامة أصحابه، قلَّ، أو كثر، وذهب عبد الملك: إلى أنَّه لا يجوز استثناء الأكثر،


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٩٥.