للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما لا يُعتقد تعظيمه لم يكفر، وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملّة لكونها حقًّا كَفَرَ، وإن قالها لمجرّد التعظيم لها احتمل.

قال الحافظ رحمه الله تعالى: وينقدح بأن يقال: إن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضًا (١).

قال الجامع: توجيه الحافظ هذا بُعده مما لا يخفى على من تأمّله، والله تعالى أعلم.

قال: ودعوى عياض تفرد سفيان بهذه الزيادة إنما هو بالنسبة لرواية مسلم، وإلا فقد أخرجها البخاريّ من طريق يزيد بن زُريع، والنسائيّ من طريق ابن أبي عديّ، كلاهما عن خالد الحذّاء، فتنبّه (٢)، والله تعالى أعلم.

(فَهُوَ كمَا قَالَ) "ما" مصدريّة، أو موصولة، والعائد محذوفٌ: أي فهو مثل قوله، أو فهو كالذي قاله.

ثم هو بظاهره يفيد أنه يصير كافرًا، لكن يَحتمل أن يكون المراد ضعفه في دينه، وخروجه عن الكمال فيه.

ويحتمل أن يكون المراد إن كان راضيًا بالدخول في تلك الملّة، فيكون كافرًا على ظاهره، خارجًا عن الإسلام.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: يحتمل أن يريد به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملّة المغايرة لملّة الإسلام، وحينئذ يكون كافرًا حقيقةً، فيبقى اللفظ على ظاهره، و"كاذبًا" منصوث على الحال: أي في حال تعظيم تلك الملّة التي حَلَف بها، فتكون هذه الحال من الأحوال اللازمة، كقوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة: ٩١]؛ لأن من عظّم ملّةَ غير الإسلام كان كاذبًا في تعظيمه دائمًا في كلّ حال، وكلّ وقتٍ، لا ينتقل عن ذلك، ولا يصلح أن يقال: إنه يعني بكونه كاذبًا في المحلوف عليه؛ لأنه يستوي في ذمّه كونه صادقًا، أو كاذبًا، إذا حلف بملّة غير الإسلام؛ لأنه إنما ذمّه الشرع من حيث إنه حَلَف بتلك الملّة الباطلة، معظّمًا لها، على نحو ما تُعظَّم به ملّة الإسلام الحقّ، فلا فرق بين أن يكون صادقًا، أو كاذبًا في المحلوف عليه، والله تعالى أعلم.


(١) "فتح" ١٣/ ٣٨٨.
(٢) راجع: "الفتح" ١١/ ٥٤٧.