للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما إن كان الحالف بذلك غير معتقد لذلك فهو آثمٌ، مرتكبٌ كبيرة، إذ قد نسبه في قوله لمن يعظّم تلك الملّة، ويعتقدها، فغلّظ عليه الوعيد، بأن صيّره كواحد منهم، مبالغةً في الردع، والزجر، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١]. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).

(وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وفي الرواية التالية: "ومن قتل نفسه بِشيء في الدنيا عُذّب به يوم القيامة"، وفي الرواية التي بعدها: "ومن قتل نفسه بشيء عَذّبه الله به في نار جهنّم"، وفي رواية للبخاريّ: "ومن قتل نفسه بشيء عُذب به في نار جهنّم".

وقوله: "بشيء" أعمّ من قوله في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق: "بحديدة"، وقوله أيضًا: "ومن تحسّى سمًّا"، وقد سبق أن هذا من باب مجانسة العقوبات الأخرويّة للجنايات الدنيويّة، ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي دته تعالى، فلا يتصرّف فيها إلا بما أذن له فيه.

(وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ) ليس كونه رجلًا قيدًا في هذا، بل هو باعتبار الغالب، وإلا فالمرأة فيه مثله، ويدلّ على ذلك رواية البخارفي بلفظ: "وليس على ابن آدم نذر فيما لا يَملك" (نَذْرٌ) أي وفاء نذر، فهو على حذف مضاف، و"النذر" - بفتح، فسكون - مصدر نَذَرَ يَنْذِر، قال في "النهاية": يقال: نَذَرتُ أَنْذِر، وأنْذُرُ نَذْرًا - يعني: من بابي ضرب ونصر - إذا أوجبت على نفسك شيئًا تبرُّعًا، من عبادة، أو صَدَقَة، أو غير ذلك. انتهى (٢).

وقال في "القاموس": نذَر على نفسه يَنْذِر - بكسر الذال - ويَنذُرُ - بضمها - نَذْرًا ونُذُورًا: أوجبه، كانتذر، ونَذَرَ ماله، ونَذَرَ لله سبحانه كذا، أو النذر ما كان وعدًا على شرط، فعليّ إن شفى الله مريضي كذا نذرٌ، وعليّ أن أتصدّق بدينار ليس بنذر. انتهى (٣).

وقال ابن الملقّن: النذر لغةً الوعد بخير أو شرّ، وشرعًا وعدٌ بخير، دون


(١) "المفهم" ١/ ٣١٢ "كتاب الإيمان".
(٢) "النهاية" ٥/ ٣٩.
(٣) "القاموس المحيط" ص ٤٣٣ - ٤٣٤.