(قَالَ) عمرو بن دينار: (فَانْتَهَرَهُ) أي: زجر طاوس مجاهدًا عما طلب منه (قَالَ) طاوس: (إِني وَاللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ) أي: عن هذا التعامل الذي أتعامله أنا في مؤاجرة الأرض (مَا فَعَلْتُهُ) هذا دليلٌ على أن طاوسًا لم يصدّق بحديث النهي عن المخابرة على إطلاقه، وذلك لأنه يعتقد أن ابن عباس - رضي الله عنهما - أعلم من رافع بن خديج - رضي الله عنه -، فرافع، وإن كان سمع ذلك إلا أنه أجراه على ظاهره، وابن عبّاس حمله على التنزيه، وهو أعلم منه، فيقدّم ما قاله، وقد سبق أن رافعًا - رضي الله عنه - أيضًا قائل بهذا، على ما يدلّ عليه بعض رواياته، فقد تقدّم أن حنظلة بن قيس سأله عن كراء الأرض بالذهب والورِق، فقال: لا بأس به، والله تعالى أعلم.
(وَلَكِنْ حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ) أي: من رافع بن خديج، وممن حدّث بمثل حديثه وقوله:(يَعْني ابْنَ عَبَّاسٍ) العناية من بعض الرواة، ولم يتبيّن لي من هو؟ (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَأَنْ يَمْنَّح) بفتح اللام؛ لأنها لام ابتداء، و"يمنح" بفتح النون، وكسرها؛ أي: يُعطي، قال الفيّوميّ: الْمِنْحَةُ بالكسر في الأصل: الشاة، أو الناقة، يُعطيها صاحبها رجلًا، يشرب لبنها، ثم يردّها إذا انقطع اللبن، ثم كثُر استعماله حتى أُطلق على كلّ عطاء، ومَنَحْتُهُ مَنْحًا، من بابي نفع، وضرب: أعطيتُهُ، والاسم الْمَنِيحَةُ. انتهى.
(الرَّجُلُ أَخَاهُ أرْضَهُ) فـ "الرجل" مرفوع على الفاعليّة لـ "يمنح"، وقوله: "أخاه" مفعول أول له، و"أرضه" مفعوله الثاني (خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأَخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا") بفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء؛ أي: أُجرة، قال الفيّوميّ: الْخَرَاج، والْخَرْجُ: ما يَحصُلُ من غلّة الأرض، ولذا أطلق على الجزية. انتهى.
والمعنى: أن إعطاءه الأرض لأخيه، لينتفع بها بدون عِوَضِ أعظم أجرًا عند الله تعالى من أخذه أجرًا معلومًا عليها، والله تعالى أعلم بالصواب.