للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على الحال التي آل إليها الأمر بعد الصلح، ورواية البخاريّ على الحال التي كانت قبله، وذلك أن خيبر فُتح بعضها صلحًا، وبعضها عَنْوَةً، فالذي فُتح عنوةً كان جميعه لله، ولرسوله، وللمسلمين، والذي فُتح صلحًا كان لليهود، ثم صار للمسلمين بعقد الصلح، أفاده في "الفتح" (١).

(فَأرَادَ إخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا) بفتح حرف المضارعة، وسكون الكاف، وتخفيف الفاء، من كفى يكفي، كرمى يرمي، يقال: كفاه مؤنته يكفيه كفايةً: إذا تولّاها بنفسه، وأغنى غيره عنها، وهو يتعدّى إلى مفعولين، وقد حُذف هنا أحدهما، وتقديره: على أن يكفوا المسلمين عملها، يعني يُغنوهم عنه (٢). (عَمَلَهَا) أي: العمل في أراضيها بالزراعة، وفي أشجارها بالسقي والاستثمار (وَلَهُمْ) أي: لليهود (نِصْفُ الثَّمَر، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّكُمْ) بضمّ أوله، من الإقرار؛ أي: نثبتكم (بِهَا) أي: بخيبر (عَلَى ذَلِكَ) أي: على الشرط الذي اشترطتموه من كفاية العمل فيها (مَا شِئْنَا") "ما" مصدريّة ظرفيّة؛ أي: مدّة مشيئتنا، وفي رواية للبخاريّ: "نُقرّكم ما أقرّكم الله، والمراد بقوله: "ما أقرّكم الله": ما قدّر الله أنّا نترككم فيها، فإذا شئنا، فأخرجناكم تبيّن أن الله قدَّر إخراجكم، قاله في "الفتح" (٣).

وقد استدلّ بهذا القائلون بجواز المساقاة والمزارعة إلى مدّة مجهولة، وهو المذهب الراجع، وإليه ذهب البخاريّ، فقد قال في "صحيحه": "بابٌ إذا قال ربّ الأرض: أُقرّك ما أقرّك الله، ولم يذكر أجلًا معلومًا، فهما على تراضيهما"، ثمّ أورد هذا الحديث مستدلًّا به، وهو استدلال واضح، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": وفيه جواز الخيار في المساقاة للمالك لا إلى أمد، وأجاب من لم يجزه باحتمال أن المدّة كانت مذكورة، ولم تُنقَل، أو لم تُذكر،


(١) "الفتح" ٦/ ١٤١.
(٢) راجع: "فتح الملهم" ١/ ٤٧١، و"القاموس المحيط" ٤/ ٣٨٣.
(٣) "الفتح" ٦/ ٦١٨.