للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي مرسل مالك المشار إليه: "أيما رجل باع متاعًا"، وكذا هو عند من قَدَّمنا أنه وصله.

فظهر أن الحديث وارد في صورة البيع، ويَلتحق به القرضُ، وسائرُ ما ذكر من بابِ أولى (١).

وقال السنديّ - رحمه الله -: قوله: "فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ" أي: يجوز له أن يأخذه بعينه، ولا يكون مشتركًا بينه وبين سائر الغرماء، وبهذا يقول الجمهور، خلافًا للحنفيّة، فقالوا: إنه كالغرماء؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية [البقرة: ٢٨٠]. وَيحْمِلون الحديث على ما إذا أخذه على سوم الشراء مثلًا، أو على البيع بشرط الخيار للبائع؛ أي: إذا كان الخيار للبائع، والمشتري مُفلس، فالأنسب أن يختار الفسخ، وهو تأويل بعيد.

وقولهم: إن الله تعالى لم يَشْرَع للدائن عند الإفلاس إلا الانتظار.

فجوابه أن الانتظار فيما لا يوجد عند المفلس، ولا كلام فيه، وإنما الكلام فيما وُجد عند المفلس، ولا بُدّ أن الدائنين يأخذون ذلك الموجود عنده، والحديث يُبيّن أن الذي يأخذ هذا الموجود هو صاحب المتاع، ولا يُجعَل مقسومًا بين تمام الدائنين، وهذا لا يُخالف القرآن، ولا يقتضي القرآن خلافه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام السنديّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا من السنديّ - رحمه الله - غاية الإنصاف، حيث لم يتكلّف في ترجيح مذهبه بما فيه تعسّف، كما فعله جُلّ الحنفيّة، ولا سيّما المتأخّرون، ويا ليت الحنفيّة كلهم كانوا مثله - رحمه الله - في نصرة الأحاديث، وترك التعصّب لمذهبهم، فالله تعالى المستعان على من خالف منهج السلف في نصر السنّة، وترك الآراء، نسأل الله تعالى أن يسلك بنا مسلكهم، إنه قريبٌ مجيب.


(١) "الفتح" ٦/ ٢١٠.
(٢) "شرح السنديّ على النسائيُّ" ص ٣١١ - ٣١٢.