في "شرح معاني الآثار"(٤/ ٥١ و ٥٢)، و (البيهقيّ) في "الطبري"(٦/ ٥ و ٦)، و (البغويّ) في "شرح السنّة"(٢٠٣٧)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم بيع الكلب:
قال النوويّ - رحمه الله -: وأما النهي عن ثمن الكلب، وكونه من شرّ الكسب، وكونه خبيثًا، فيدلّ على تحريم بيعه، وأنه لا يصح بيعه، ولا يحل ثمنه، ولا قيمةَ على مُتْلِفه، سواءٌ كان مُعَلَّمًا أم لا، وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا، وبهذا قال جماهير العلماء، منهم: أبو هريرة، والحسن البصريّ، وربيعة، والأوزاعيّ، والْحَكَم، وحماد، والشافعيّ، وأحمد، وداود، وابن المنذر، وغيرهم.
وقال أبو حنيفة: يصح بيع الكلاب التي فيها منفعة، وتجب القيمة على مُتلفها، وحَكَى ابن المنذر عن جابر، وعطاء، والنخعيّ جواز بيع كلب الصيد دون غيره، وعن مالك روايات: إحداها: لا يجوز بيعه، ولكن تجب القيمة على متلفه، والثانية: يصح بيعه، وتجب القيمة، والثالثة: لا يصحّ، ولا تجب القيمة على مُتْلِفه.
ودليل الجمهور هذه الأحاديث، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب، إلا كلب صيد، وفي رواية إلا كلبًا ضاريًا، وأن عثمان غَرَّم إنسانًا ثمن كلب قتله عشرين بعيرًا، وعن ابن عمرو بن العاص التغريم في إتلافه، فكلها ضعيفة باتفاق أئمة الحديث، وقد أوضحتها في "شرح المهذب" في باب ما يجوز بيعه. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح" ما حاصله: ذهب الجمهور إلى تحريم بيع الكلب، وهو عامّ في كل كلب، مُعَلَّمًا كان أو غيره، مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على مُتْلِفه.
وقال مالك: لا يجوز بيعه، وتجب القيمة على مُتلِفِه، وعنه كالجمهور، وعنه كقول أبي حنيفة: يجوز، وتجب القيمة، وقال عطاء، والنخعيّ: يجوز بيعِ كلب الصيد دون غيره، ورَوَى أبو داود من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعًا:"نهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، وقال: إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا"، وإسناده صحيح، ورَوَى أيضًا بإسناد حسن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -