للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مرفوعًا: "لا يحل ثمن الكلب، ولا حُلوان الكاهن، ولا مَهْرُ البَغِيِّ"، والعلة في تحريم بيعه عند الشافعيّ نجاسته مطلقًا، وهي قائمة في المعَلَّم وغيره، وعلة المنع عند من لا يرى نجاسته النهي عن اتخاذه، والأمر بقتله، ولذلك خُصّ منه ما أذن في اتخاذه، ويدلّ عليه حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، إلا كلب صيد"، أخرجه النسائيّ بإسناد رجاله ثقات، إلا أنه طُعِن في صحته، وقد وقع في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عند ابن أبي حاتم، بلفظ: "نَهَى عن ثمن الكلب، دوان كان ضاريًا"، يعني مما يصيد، وسنده ضعيف، قال أبو حاتم: هو منكر، وفي رواية لأحمد: "نَهَى عن ثمن الكلب، وقال: طُعْمة جاهلية"، ونحوه للطبرانيّ من حديث ميمونة بنت سعد.

وقال القرطبيّ: مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب، وكراهيةُ بيعه، ولا يُفسَخ إن وقع، وكأنه لما لم يكن عنده نَجِسًا، وأُذِن في اتخاذه لمنافعه الجائزة، كان حكمه حكم جميع المبيعات، لكن الشرع نَهَى عن بيعه تنزيهًا؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق، قال: وأما تسويته في النهي بينه وبين مهر البغيّ، وحُلوان الكاهن، فمحمول على الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه، وعلى تقدير العموم في كل كلب، فالنهي في هذه الثلاثة في القدر المشترك من الكراهة أعمّ من التنزيه والتحريم؛ إذ كل واحد منهما منهيّ عنه، ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر، فإنّا عرفنا تحريم مهر البغيّ، وحُلوان الكاهن من الإجماع، لا من مجرد النهي، ولا يلزم من الاشتراك في العطف الاشتراك في جميع الوجوه؛ إذ قد يُعْطَف الأمر على النهي، والإيجاب على النفي. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا التفصيل الذي ذكره القرطبي محلّ نظر، بل الذي يترجّح عندي هو الذي عليه الجمهور، من تحريم بيع الكلب مطلقًا؛ لعموم النصّ، وعدم صحّة الاستثناء الذي في حديث جابر - رضي الله عنه - الذي أخرجه النسائيّ، ولفظه: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن ثمن السنّور، والكلب إلا كلب صيد"، فإنه حديث ضعيف، كما بيّنته في "شرح النسائيّ" (٢).


(١) "المفهم" ٤/ ٤٤٤، و"الفتح" ٦/ ٧١٩ - ٧٢٠.
(٢) راجع: "ذخيرة العقبى" ٣٥/ ١٤٠ - ١٤١.