رَخَّص في كلب الصيد، وكلب الغنم، وفي رواية له: ورَخَّص في كلب الغنم، والصيد، والزرع، وهذا مذهب الشافعيّ، كما جزم به الرافعيّ في "الأطعمة"، والنوويّ في "البيع" من "شرح المهذَّب"، وزاد أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا، قال: وممن صرّح به القاضي حسين، وإمام الحرمين، قال إمام الحرمين: الأمر بقتل الكلب الأسود وغيره كله منسوخ، فلا يحل قتل شيء منها اليوم، لا الأسود، ولا غيره، إلا الكَلْب العقور، لكن قال الرافعيّ في "الحج": إنَّ قتلها مكروه، وذكر النوويّ أن مراده كراهة التنزيه، وذكر الرافعيّ في "الغصب"، والنوويّ في "التيمم" أنها غير محترمة، وزعم شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنويّ أن مذهب الشافعيّ جواز قتلها، فالله أعلم.
واختار ابنُ عبد البرّ المنعَ من قتلها.
القول الثالث: أنها ممنوع من قتلها، إلا الأسود البهيم، واختار النوويّ في "شرح مسلم" هذا، ويدلّ له ما في "صحيح مسلم" عن جابر - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تَقْدَم من البادية بكلبها، فنقتله، ثم نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلها، وقال:"عليكم بالأسود البهيم، ذي الطفيتين، فإنه شيطان"، وقيل في معنى كونه شيطانًا: إنه بعيد من المنافع، قريب من المضرّة.، والأذى.
قال: واختُلِف في الأمر بقتل الكلاب المذكور في هذا الحديث، هل كان قبل نسخه عامًّا، أو مخصوصًا بما عدا المنتفَع به للصيد ونحوه، حكاه القاضي عياض، وقال: عندي أن النهي أوّلًا كان عامًّا عن اقتناء جميعها، وأمر بقتل جميعها، ثم نَهَى عن قتل ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها، إلا كلب صيد، أو زرع، أو ماشية، قال النوويّ: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن مُغَفَّل - رضي الله عنه - مخصوصًا بما عدا الأسود؛ لأنه عامّ، فيُخَصّ منه الأسود بالحديث الآخر.
وقال أيضًا: استُدِلّ بالأمر بقتل الكلاب على تحريم أكلها؛ لأن مباح