(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) -رضي الله عنهما- أنه (قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ) بن الخطّاب -رضي الله عنه- (أَنَّ سَمُرَةَ) بن جندب بن هلال الفَزَاريّ، حليف الأنصار، صحابيّ مشهور، مات -رضي الله عنه- بالبصرة سنة (٥٨) تقدّمت ترجمته في "المقدمة" ١/ ١. (بَاعَ خَمْرًا) وفي رواية البخاريّ: "بلغَ عمر أن فلانًا باع خمرًا".
قال ابن الجوزيّ، والقرطبيّ رحمه الله وغيرهما: اختُلِفَ في كيفية بيع سمرة -رضي الله عنه- للخمر على ثلاثة أقوال:
[أحدهما]: أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية، فباعها منهم، مُعتَقِدًا جواز ذلك، وهذا حكاه ابن الجوزيّ عن ابن ناصر، ورجّحه، وقال: كان ينبغي له أن يوليهم بيعها، فلا يدخل في محظور، وإن أخذ أثمانها منهم بعد ذلك؛ لأنه لم يتعاط محرَّمًا، ويكون شبيهًا بقصة بريرة حيث قال:"هو عليها صدقة، ولنا هدية".
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن هذا الوجه هو أرجح التأويلات، وأقربها؛ كما لا يخفى على من تأمله، والله تعالى أعلم.
[والثاني]: قال الخطابيّ: يجوز أن يكون باع العصير ممن يتخذه خمرًا، والعصير يسمى خمرًا، كما قد يُسَمَّى العنب به؛ لأنه يئول إليه، قاله الخطابيّ، قال: ولا يُظَنُّ بسمرة أنه باع عين الخمر بعد أن شاع تحريمها، وإنما باع العصير.
[والثالث]: أن يكون خَلَّل الخمر، وباعها، وكان عمر يعتقد أن ذلك لا يُحِلُّها، كما هو قول أكثر العلماء، واعتقد سمرة الجواز، كما تأوله غيره أنه يُحِلّ التخليل، ولا ينحصر الحِلّ في تخلُّلها بنفسها.
قال القرطبيّ تبعًا لابن الجوزيّ: والأشبه الأول.
قال الحافظ: ولا يتعيّن على الوجه الأول أخْذها عن الجزية، بل يَحْتَمَل أن تكون حصلت له عن غنيمة، أو غيرها.
وقد أبدى الإسماعيليّ في "المدخل" فيه احتمالًا آخر، وهو أن سمرة عَلِمَ تحريم الخمر، ولم يعلم تحريم بيعها، ولذلك اقتصر عمر على ذمه دون عقوبته، وهذا هو الظن به.