صَاعًا)؛ أي: من الشعير (وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ) أي: بيع صاع القَمْح بصاع الشعير والزيادة (انْطَلِقْ) أي: اذهب (فَرُدَّهُ، وَلَا تَأخُذَنَّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أي: لا تأخذ الشعير بالقَمح إلا متماثلين في الكيل (فَإنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:"الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ"، قَالَ) معمر -رضي الله عنه- (وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ) أي: يوم قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الطعام بالطعام … "(الشَّعِيرَ، قِيلَ لَهُ)؛ أي: لمعمر (فَإنَّهُ) أي: الشعير (لَيْسَ بِمِثْلِهِ) أي: مثل الْقَمْح، يعني أنه ليس من جنسه؛ أي: أن القمح والشعير جنسان مختلفان، فلا يحرم فيهما التفاضل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا اختَلَفت الأجناس، فبيعوا كيف شئتم"، فلماذا تريد أن تفسخ هذا البيع؟ (قَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارعَ)؛ أي: يشابه، ويشارك، ومعناه أخاف أن يكون في معنى المماثل، فيكون له حكمه في تحريم الربا، واحتجّ مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفًا واحدًا، لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا، قال النوويّ: ومذهبنا، ومذهب الجمهور أنهما صنفان، يجوز التفاضل بينهما؛ كالحنطة مع الأرز، ودليلنا ما سبق عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا اختَلَفَت هذه الأجناس، فبيعوا كيف شئتم"، مع ما رواه أبو داود، والنسائيّ في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا بأس ببيع البر بالشعير، والشعيرُ أكثرُهما يدًا بيد"، وأما حديث مَعْمَر هذا فلا حجة فيه؛ لأنه لم يصرِّح بأنهما جنس واحد، وإنما خاف من ذلك، فَتَوَرَّع عنه احتياطًا. انتهى (١).
وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: قد تقدَّم ذكر الخلاف في عدِّ البُرِّ والشعير صنفًا واحدًا بما يغني عن إعادته، لكنا نبيِّن في هذا الحديث أن حديث مَعْمَر لا حجَّة فيه لأصحابنا، وإن كانوا قد أطبقوا على الاحتجاج به، ووجه ذلك أن غايتهم في التمسك به أن يحتجوا بمذهب معمر، وهو قول صحابيّ، وهو أعلم بالمقال، وأقعد بالحال.
قال: إن قول معمر هذا رأي منه، لا رواية، وما استَدَلّ به من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الطَّعام بالطَّعام" لا حجَّة له فيه؛ لأنه إن حُمِل على عمومه لزم منه ألا يباع