بالمهملة، والتحتانية- سألت أبا مِجْلَز عن الصرف؟ فقال: كان ابن عباس، لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره، ما كان منه عينًا بعين، يدًا بيد، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد، فذكر القصة والحديث، وفيه:"التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدًا بيد، مِثْلًا بمثل، فمن زاد فهو ربا"، فقال ابن عباس: أستغفر الله، وأتوب إليه، فكان ينهى عنه أشدّ النهي. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فتبيّن بما تقدّم أن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- ثبت رجوعه، كما ثبت رجوع ابن عمر -رضي الله عنهما-، فتكون المسألة إجماعية، فلا يجوز ربا الفضل، كما لا يجوز ربا النسيئة بالإجماع، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في تأويل حديث أسامة -رضي الله عنه-: "لا ربا إلا في النسيئة":
قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه اللهُ، ما حاصله: هذا الخلاف شاذّ متقدّم، مرجوع عنه، كما قد نصّ عليه هنا من رجوع ابن عمر، وابن عبّاس -رضي الله عنهم- عنه، وممن قال بقولهما من السلف: عبد الله بن الزبير، وزيد بن أرقم، وأُسامة بن زيد، ولا شكّ في معارضة هذا الحديث لحديث عبادة، وأبي سعيد، وغيرهما، فإنها نصوصٌ في إثبات ربا الفضل، ولَمّا كان كذلك اختلف العلماء في كيفيّة التخلّص من ذلك على أوجه، أشبهها وجهان:
[أحدهما]: أن حديث ابن عبّاس منسوخٌ بحديث عبادة، وأبي سعيد، غير أنهم لم ينقلوا التاريخ صريحًا، وإنما أخذوه من رجوع ابن عبّاس عن ذلك، ومِنْ عمل الجمهور من الصحابة، وغيرهم، من علماء المدينة على خلاف في ذلك.
قال القرطبيّ: وهذا لا يدلّ على النسخ، وإنما يدلّ على الأرجحيّة.
[وثانيهما]: أن قوله: "لا ربا إلا في النسيئة" إنما مقصوده نفي الأغلظ الذي حرّمه الله بنصّ القرآن، وتوعّد عليه بالعقاب الشديد، وجعل فاعله محاربًا لله، وذلك بقوله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} إلى آخر الآيات [البقرة: ٢٧٥ - ٢٨١] وما كانت