للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بَيِّنٌ واضحٌ لا يخفى حِلّه؛ كالخبز، والفواكه، والزيت، والعسل، والسمن، ولبن مأكول اللحم، وبيضه، وغير ذلك من المطعومات، وكذلك الكلام، والنظر، والمشي، وغير ذلك من التصرفات فيها حلال بَيِّن واضح، لا شكّ في حله، وأما الحرام الْبَيِّنُ؛ فكالخمر، والخنزير، والميتة، والبول، والدم المسفوح، وكذلك الزنى، والكذب، والغيبة، والنميمة، والنظر إلى الأجنبية، وأشباه ذلك، وأما المشتبهات، فمعناه أنها ليست بواضحة الحلّ، ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنصّ، أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك. انتهى (١).

(وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ) بوزن مُفْتَعِلات بتاء مفتوحة، وعين خفيفة مكسورة، والمعنى: أنها موحّدة اكتَسَبت الشَبَهَ من وجهين متعارضين، ووقع في بعض روايات البخاريّ بلفظ: "مشَبَّهات" بتشديد الموحّدة المفتوحة؛ أي: شُبّهت بغيرها مما لم يتبيّن به حكمها على التعيين، وفي رواية الدارميّ: "وبينهما متشابهات".

(لَا يَعْلَمُهُنَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) أي: لا يعلم حكمهنّ، وجاء واضحًا في رواية الترمذيّ بلفظ: "لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي، أم من الحرام؟ "، ومفهوم قوله: "كثيرٌ" أن معرفة حكمها ممكن، لكن للقليل من الناس، وهم المجتهدون، فالشبهات على هذا في حقّ غيرهم، وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين، قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبي رحمه الله: قوله: "لا يعلمهن كثير من الناس" أي: لا يعلم حكمهنّ من التحليل والتحريم، وإلا فالذي يعلم الشبهة يعلمها من حيث إنها مشكلة؛ لترددها بين أمور محتمِلة، فإذا عَلِمَ بأي أصل تُلحَق زال كونها شبهة، وكانت إما من الحلال، أو من الحرام، وفيه دليل: على أن الشبهة لها حكم خاصّ بها، عليه دليل شرفي، يمكن أن يصل إليه بعض الناس، فمن ظَفِرَ به فهو المصيب كما بيّناه، في الأصول.


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ٢٧ - ٢٨.
(٢) "الفتح" ١/ ٢٢٩.