مثاله أن يُقَدَّر لواحد أن يَعِيش عشرين سنة إن قَتَلَ نفسه، وثلاثين سنة إن لَمْ يَقتُل، وهذا بالنسبة إلى ما يَعلَم به المخلوق، كملك الموت مثلًا، وأما بالنسبة إلى علم الله، فإنه لا يقع إلَّا ما عَلِمه.
ونظير ذلك الواجب الْمُخَيَّر فالواقع منه معلوم عند الله تعالى، والعبد مُخَيَّر في أيِّ الخصال يفعل.
والجواب عن الثاني من أوجه:
[أحدها]: أنه كان استَحَلَّ ذلك الفعل، فصار كافرًا.
[ثانيها]: كان كافرًا في الأصل، وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره.
[ثالثها]: أن المراد أن الجَنَّة حُرّمت عليه في وقتٍ ما، كالوقت الذي يَدخُل فيه السابقون، أو الوقت الذي يُعَذَّب فيه المودعدون في النار، ثم يُخْرَجون.
[رابعها]: أن المراد جنة معينة، كالفردوس مثلًا.
[خامسها]: أن ذلك وَرَدَ في سبيل التغليظ والتخويف، وظاهره غير مراد.
[سادسها]: أن التقدير: حَرَّمتُ عليه الجَنَّة إن شئتُ استمرار ذلك.
[سابعها]: قال النوويّ: يحتمل أن يكون ذلك شَرْعَ من مضى: أن أصحاب الكبائر يَكفُرون بفعلها، ذكر هذا كلّه في "الفتح" (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أقرب التأويلات عندي هو تأويل مَن أوَّله بأن تحريمها عليه يكون تحريمًا مؤقّتًا، وهو الوقت الذي يُعذّب فيه أصحاب الكبائر، ثم يكون مآله إليها، أو المراد أن ذلك هو الذي يستحقّه؛ لعظم جُرْمه، إلَّا أن الله تعالى تفضّل على الموحِّدين، فجعل آخرهم الجنّة، وعلى أي حال، ففيه بيان عظمة ذنب قاتل نفسه عمدًا بسبب شدّة البلاء، والله تعالى أعلم بالصواب.
(ثُمَّ مَدَّ) الحسن البصريّ (يَدَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ) أي مسجد البصرة، كما قاله في "الفتح" (فَقَالَ: إِيْ) بكسر الهمزة، وسكون المثنّاة التحتانيّة، قال ابن هشام رحمه الله تعالى: "إِيْ " بالكسر والسكون حرف جواب بمعنى "نَعَمْ"، فيكون لتصديق المخبِر، ولإعلام المستخبر، ولوعد الطالب، فتقع بعد "قام زيدٌ"،
(١) "الفتح" ٦/ ٥٧٧ "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٦٣).