للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُجمع بينهما بأنه -صلى الله عليه وسلم- أمره أوّلًا أن يشتري له بكره، ثم أتاه إبل الصدقة قبل أن يشتري له، فأعطاه منها، أو أنه أمر بالشراء من إبل الصدقة ممن استَحَقّ منها شيئًا، ويؤيده رواية ابن خزيمة المذكورة: "إذا جاءت الصدقة قضيناك"، قاله في "الفتح" (١).

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "فقدمت عليه إبل الصدقة … " إلى آخره: هذا مما يُسْتَشكَل، فيقال: فكيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم، مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها؟

والجواب: أنه -صلى الله عليه وسلم- اقترض لنفسه، فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها بعيرًا رَبَاعيًا، ممن استحقه، فمَلَكه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بثمنه، وأوفاه متبرعًا بالزيادة من ماله، ويدُلّ على ما ذكرناه رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- التي قدّمناها أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اشتَرُوا له سنًّا"، فهذا هو الجواب المعتمد.

وقد قيل فيه أجوبة غيره، منها أن المقترض كان بعض المحتاجين اقترض لنفسه، فأعطاه من الصدقة حين جاءت، وأمره بالقضاء. انتهى (٢).

(فَرَجَعَ إِلَيْهِ) -صلى الله عليه وسلم- (أَبُو رَافِعٍ) -رضي الله عنه- (فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا)؛ أي: في إبل الصدقة (إِلَّا خِيَارًا) خيار الشيء: أحسنه، وأفضله، قاله في "المفهم"، وقال في "الفتح": والخيار: الجيّد، يُطلق على الواحد والجمع. انتهى. (رَبَاعِيًا) بفتح الراء: هو الذي دخل في السنة السابعة؛ لأنه يُلقي فيها رَباعيته، وهي التي تلي الثنايا، وهي أربع رباعيات -مخفّف الياء- والذكر رَبَاعٌ، والأنثى رباعية (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("أَعْطِهِ إِيَّاهُ)؛ أي: أعط الرجل الرباعي، فالهاء عائد على الرجل، وهو المفعول الأول، و"إيّاه" هو المفعول الثاني، وفي رواية النسائيّ: "فقال: أعطه"، بحذف المفعول الثاني؛ اختصارًا، كما في قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} الآية [الضحى: ٥]، ويَحْتَمِل أن يكون الهاء للرباعي، والمحذوف هو المفعول الأول، كما في قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} الآية [التوبة: ٢٩].

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً") جملة تعليلية لأمره بإعطائه الرباعي مع كونه أكبر من بَكره؛ يعني أن خير الناس في المعاملة، أو "مِن"


(١) "الفتح" ٦/ ١٩٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ٣٧ - ٣٨.