للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصدقة، فلما جاءت الصدقة، أوفى صاحبه منها، ولا يعكر عليه، أنه أوفاه أزيد من حقه من مال الصدقة؛ لاحتمال أن يكون المقترَض منه، كان أيضًا من أهل الصدقة، إما من جهة الفقر، أو التألّف، أو غير ذلك، بجهتين: جهة الوفاء في الأصل، وجهة الاستحقاق في الزائد.

وقيل: كان اقتراضه في ذمته، فلما حلّ الأجل، ولم يجد الوفاء صار غارمًا، فجاز له الوفاء من الصدقة، وقيل: كان اقتراضه لنفسه، فلما حلّ الأجل، اشترى من إبل الصدقة بعيرًا، ممن استحقه، أو اقترضه من آخر، أو من مال الصدقة؛ ليوفيه بعد ذلك، قال الحافظ: والاحتمال الأول أقوى، ويؤيده سياق حديث أبي رافع. ذكره في "الفتح" (١).

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في تأويل قضاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الْبَكْر من مال الصدقة: قال القرطبيّ رحمه الله: اختَلَف أرباب التأويل في استسلاف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذا البَكْر، وقضائه عنه من مال الصدقة، هل كان ذلك السَّلف لنفسه، أو لغيره؟ فمنهم من قال: كان لنفسه، وكان هذا قبل أن تحرم عليه الصدقة، وهذا فاسد؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم تزل الصدقة مُحَرَّمة عليه منذ قدوم المدينة، وكان ذلك من خصائصه، ومن جملة علاماته المذكورة في الكتب المتقدِّمة؛ بدليل قصة سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه-، فإنه عند قدوم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ جاءه سلمان بتمر، فقدَّمه إليه، وقال: كُل، فقال: "ما هذا؟ " قال: صدقة، فقال لأصحابه: "كلوا"، ولم يأكل، وأتاه يومًا آخر بتمر، فقال: هدية، فأكل، فقال سلمان: هذه واحدة، ثم رأى خاتم النبوَّة فأسلم، وهذا واضح.

وقيل: استسلفه لغيره ممن يستحقّ أخذ الصدقة، فلما جاءت إبل الصدقة دفع منها، وقد استُبْعِد هذا من حيث: إنه قضى أزيد من القرض من مال الصدقة، وقال: "إن خيركم أحسنكم قضاء"، فكيف يعطي زيادة من مال ليس له؟ ويجعل ذلك من باب حسن القضاء؟!.

وقد أجيب عن هذا: بأن قيل: كان الذي استقرض منه من أهل


(١) "الفتح" ٦/ ١٩٩ - ٢٠٠.