للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الوِجدان، فلا يُختلف في جوازه، وقد يجب في بعض الأوقات عند الضرورات المتعيّنة، وأما النهي عن أخذه -إن صحَّ (١) - فإنما ذلك لمن لم تدْعه إليه حاجة، لِمَا يطرأ من تحمّله من الأمور التي ذكرناها، من الإذلال، والمطالبة، وما يُخاف من الكذب في الحديث، والإخلاف في الوعد، وقد عصم الله تعالى نبينا -صلى الله عليه وسلم- من ذلك كلّه، فلم يحوجه إلى شيء من ذلك، ولا أجراه عليه.

وأما قولهم: إنه لم يكن في ضرورة؛ لأن الله خيَّره، فجوابه: إن الله تعالى لمَّا خيَّره، فاختار أن يجوع ثلاثًا، ويشبع يومًا، أجرى الله تعالى عليه ما اختاره لنفسه، وما أشار إليه به صفيُّه، ونصيحه جبريل عليه السلام، فسلك الله تعالى به أعلى السبيل، ليصبر على المشقات والشدائد، كما صبر أولو العزم من الرسل، ولينال أعلى المقامات الفاخرة، ألا تسمع قوله لعمر -رضي الله عنه-: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ "، ثم لَمَّا أخلص الله جوهره، وطيَّب خُبْرَهُ وخَبَرَهُ؛ أغناه بعد العيلة، وكثَّره بعد القِلَّة، وأعزّه به بعد الذلة، ومن تمام الحكمة في أخذه -صلى الله عليه وسلم- بالدُّيون ليقتدي به في ذلك المحتاجون. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢)، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في حكم القرض:

قال العلّامة ابن قُدامة رحمه الله: والقرض مندوب إليه في حقّ المقرض، مباح للمقترض؛ لما روينا من الأحاديث؛ ولما رَوَى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "من نفّس عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدنيا، نفّس الله عنه كُرْبة من كُرَب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه" الحديث، أخرجه مسلم، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال: لأن أُقْرِض دينارين، ثم يُرَدّان، ثم أقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما. ولأن فيه تفريجًا عن أخيه المسلم، وقضاءً لحاجته، وعونًا له، فكان مندوبًا إليه، كالصدقة عليه، وليس بواجب.


(١) تقدّم أنه لا يصحّ، فتنبّه.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٠٦ - ٥٠٩.