للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أحمد: لا إثم على من سئل القرض، فلم يُقرِض، وذلك لأنه من المعروف، فأشبه صدقة التطوع، وليس بمكروه في حق المقرض، قال أحمد: ليس القرض من المسألة -يعني ليس بمكروه- وذلك لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كان يستقرض بدليل حديث أبي رافع -رضي الله عنه-، ولو كان مكروهًا كان أبعد الناس منه، ولأنه يأخذه بِعِوَضه، فأشبه الشراء بدَين في ذمته.

قال ابن أبي موسى: لا أحب أن يتحمل بأمانته، ما ليس عنده -يعني ما لا يقدر على وفائه- ومن أراد أن يستقرض، فَلْيُعْلِمْ من يسأله القرض بحاله، ولا يَغُرّه من نفسه، إلا أن يكون الشيء اليسير الذي لا يتعذر ردّ مثله، قال أحمد: إذا اقترض لغيره، ولم يُعلمه بحاله لم يعجبني، وقال: ما أحب أن يقترض بجاهه لإخوانه، قال القاضي: يعني إن كان من يقترِض له غير معروف بالوفاء؛ لكونه تغريرًا بمال المقرض، وإضرارًا به، أما إذا كان معروفًا بالوفاء لم يُكره؛ لكونه إعانة له، وتفريجًا لكربته. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله (١)، وهو بحث مفيد جدًّا، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: لا يصحّ القرض إلا من جائز التصرف؛ لأنه عقدٌ على المال، فلم يصلح إلا مِنْ جائز التصرف كالبيع، وحكمه في الإيجاب والقبول حكم البيع على ما مضى، ويصح بلفظ السلف والقرض؛ لورود الشرع بهما، وبكل لفظ يؤدي معناهما، مثل أن يقول: ملّكتك هذا على أن تَرُدّ عليّ بَدَله، أو توجد قرينة دالة على إرادة القرض، فإن قال: ملكتك، ولم يذكر البدل، ولا وُجد ما يدل عليه، فهو هبة، فإن اختلفا فالقول قول الموهوب له؛ لأن الظاهر معه؛ لأن التمليك من غير عوض هبة، قاله ابن قُدامة رحمه الله (٢)، وهو تحقيق نفيس أيضًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في جواز اقتراض الحيوان:

قال النوويّ رحمه الله: فيه ثلاثة مذاهب:

[الأول]: مذهب الشافعيّ، ومالك، وجماهير العلماء، من السلف


(١) "المغني" لابن قُدامة رحمه الله ٦/ ٤٢٩ - ٤٣٠.
(٢) "المغني" ٦/ ٤٣٠ - ٤٣١.