للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البيع، ولأنه إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه، لم يؤمَن انقطاعه وتلفه، فلم يصح كما لو أسلم في شيء، قدّره بمكيال معين، أو صنجة معينة، أو أحضر خرقة، وقال: أسلمت إليك في مثل هذه.

[تنبيه]: لا يُشترط كون المُسْلَم فيه موجودًا، حال السَّلَم، بل يجوز أن يسلم في الرُّطَب في أوان الشتاء، وفي كل يوم معدوم، إذا كان موجودًا في المحلّ، وهذا قول مالك، والشافعيّ، وإسحاق، وابن المنذر، وقال الثوريّ، والأوزاعيّ، وأصحاب الرأي: لا يجوز حتى يكون جنسه موجودًا حال العقد إلى حين المحلّ؛ لأن كل زمن يجوز أن يكون محلًّا للمُسْلَم فيه؛ لموت المُسْلَم إليه، فاعتبر وجوده فيه كالمحلّ.

واحتجّ الأولون بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قدم المدينة، وهم يُسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف فليسلف في كيل معلوم"، ولم يذكر الوجود، ولو كان شرطًا لذكره، ولنهاهم عن السلف سنتين؛ لأنه يلزم منه انقطاع المُسْلَم فيه أوسط السنة، ولأنه يثبت في الذمة، ويوجد في محله غالبًا، فجاز السلم فيه كالموجود، ولا نُسَلِّم أن الذين يَحُل بالموت، وإن سلَّمنا فلا يلزم أن يُشترط ذلك الوجود، إذ لو لزم أفضى إلى أن تكون آجال السلم مجهولة، والمحل ما جعله المتعاقدان محلًّا، وههنا لم يجعلاه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله الأولون هو الأرجح؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حينما بيّن لهم التعامل الصحيح في السلم لم يستفصلهم ذلك، فدلّ على أنه يجوز، ولو كان ينقطع في بعض الأحيان، فإن الشرط وجوده وقت حلول الأجل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه آخر]: إذا تعذر تسليم المُسْلَم فيه عند المحلّ، إما لغيبة المسلم إليه، أو عجزه عن التسليم، حتى عُدم المسلم فيه، أو لم تَحْمِل الثمار تلك السنة، فالْمُسْلِم بالخيار بين أن يصبر إلى أن يوجد، فيطالب به، وبين أن يَفسخ العقد، ويرجع بالثمن، إن كان موجودًا، أو بمثله إن كان مثليًّا، وإلا بقيمته، وبه قال الشافعيّ، وإسحاق، وابن المنذر، وقيل: إنه ينفسخ العقد بنفس التعذر؛ لكون المُسْلَم فيه من ثمرة العام، بدليل وجوب التسليم منها، فإذا هلكت انفسخ العقد، كما لو باعه قفيزًا من صبرة، فهلكت، والأول هو