تمام البحث في هذا في المسألة الرابعة من شرح الحديث الماضي.
(رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ) وفي الرواية التالية: "الشفعة في كلّ شرك في أرض، أو رَبْع، أو حائط"، قال القرطبيّ: الرواية الصحيحة فيه بخفض "ربعةٍ"، وما بعده، على البدل، من"كل شركة"، فهو تفسير له، وتقييد.
و"الرَّبْعَة" -بفتح الراء، وسكون الموحّدة-: تأنيث الرَّبْع: وهو المنزل، ويُجمع على رُبوع، وإنما قيل للمنزل: رَبْعٌ؛ لأن الإنسان يربع فيه؛ أي: يُقيم، يقال: هذه رَبْعٌ، وهذه رَبْعَةٌ، كما يقال: دارٌ، ودارة، ثم سُمّي به الدار، والمسكن.
و"الحائط": بستان النخل، و"الأرض": يعني بها البَرَاح الذي لا سَكَنَ فيها، ولا شجر، وإنما هي مُعَدَّةٌ للزراعة. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (١).
وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ:"الرَّبْعَةُ"، و"الرَّبْعُ" -بفتح الراء، وإسكان الباء-، والربع: الدار، والمسكن، ومُطْلَق الأرض، وأصله المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه، والربعة: تأنيث الربع، وقيل: واحده، والجمع الذي هو اسم الجنس: رَبْعٌ، كتمرة وتمر. انتهى.
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: وقد دلَّ هذا الحديث على أن الشفعة إنما تُسْتَحقّ في العقار المشترك الذي يَقبَل القسمة، وهذا هو المحلّ المتفق على وجوب الشفعة فيه، واختُلِف فيما عدا ذلك، فذهب بعض المكيين إلى وجوبها في كل شيء من العقار، والحيوان، والعُروض، والأطعمة، وإليه ذهب عطاء في إحدى الروايتين عنه معتمدًا في ذلك على ما خرَّجه الترمذيّ من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا:"الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء"، ورَوَى الطحاويّ نحوه عن جابر مرفوعًا، ومُتمسِّكًا في ذلك بقياس غير العقار عليه، بعلِّة وجود الاشتراك، ولا حجة في ذلك؛ لأن الحديث ليس بصحيح الإسناد، وإنما صحيحه مرسل، ولو سلّمنا صحته، لكنه مقيّد بما ذكرناه من قوله:"ربعةٍ، أو حائطٍ، أو أرضٍ"، ومثل هذا التقييد متفق على قبوله عند أهل الأصول؛ لأنه قد اتفق فيه الموجِب والموجَب، وبدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الشفعة فيما لم يُقْسَم،