ربعةٍ، أو حائطٍ، أو أرضٍ"، فأتى بـ "إنَّما" التي هي للحصر، وهو أيضًا مفهوم من الألف واللام في قوله: "الشفعة فيما لم يقسم"، وبدليل: زيادة البخاريّ في هذا الحديث: "فإذا وَقَعَت الحدود، وصُرِفت الطرق فلا شفعة"، وهذا نصٌّ في أن الشفعة مخصوصة بما ذكر في ذلك الحديث، وأما ذلك القياس فليس بصحيح؛ لوجود الفرق بين الفرع والأصل، فإن الأصل الذي هو العقار يَعْظُم الضرر فيه على الشريك بمشاركة الأجنبي له، ومخالطته، فقد يؤذيه، ولا يقدر على التخلص منه؛ لصعوبة بيع العقار، وتَعَذّرِ ذلك في أكثر الأوقات، وليست كذلك العُروض، وما يُنقل ويحوَّل، فإن الانفصال عن الشركة فيه يسير؛ لسهولة بيعها، والخروج عنها في كلّ الأوقات، وأكثر الحالات؛ فانفصلا، فلا يصح القياس.
وإذا ثبت أن الشفعة شُرِعت لرفع الضرر الكثير اللازم، فهل الوصفان جُزءا علَّة، فلا تجري الشفعة إلا فيما اجتمعا فيه، أو يكون كل واحد منهما علّة مستقلّة؟ فيه احتمال، وعليه ينبني الخلاف الذي عند أصحابنا -يعني: المالكيّة- في الشفعة في الثمرة، والدُّيون، وكتابة المكاتَب، والكراء، والمساقاة، فإن الضرر فيها يعظم، وإن لم يلازم، فمن رأى أنه علَّة، مستقلة أوجب الشفعة، ومن رأى أن العلَّة مجموع الوصفين منعها في ذلك كله.
وذهب الشعبيّ إلى أنه لا شفعة في مُشاع لا يُسْكَن، وقال ابن شعبان مثله عن مالك، فلا شفعة على هذا في أرض، ولا عقار يُتخَذ للغلَّة، وهو مخالف للحديث المتقدم، فإنه قد نصّ فيه على الحائط، وهو المتخذ للغلَّة، وعلى الأرض، وهي تراد للزراعة، والصحيح الأول.
وذهب الجمهور: إلى أن الشفعة لا تجب بالجوار؛ وهو مذهب عمر، وعليّ، وعثمان، ومَنْ بعدهم؛ كسعيد بن المسيِّب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وربيعة، والأوزاعيّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة والكوفيون إلى أنه تجب به الشفعة، وبه قال ابن مسعود، وسببهما معارضة حديثين صحيحين:
أحدهما: حديت جابر المتقدِّم، وقد خرَّجه البخاري. ولفظه فيه: "الشفعة فيما لم يُقْسَم، فإذا وقعت الحدود، وصُرِفت الطرُق، فلا شفعة".