للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وثانيهما: خرَّجه البخاريّ عن أبي رافع قال: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الجار أحقّ بصقبه"، وقد خرَّجه الترمذيّ من حديث جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الجار أحقّ بشفعته، يُنتَظَر إن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا"، وقد تأوَّل بعض العلماء "الجار" في حديث البخاريّ بأنَّه الشريك، كما قد تأول بعضهم: أن "الصقب" المذكور فيه: حقّ الجوار، كما قال في الحديث الآخر: أن عائشة (١) قالت: يا رسول الله إن لي جارين. فإلى أيّهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منكِ بابًا"، وهذان التأويلان فيهما بُعْدٌ، فإن حديث الترمذي يَنُصّ على خلاف ذلك، وأشبه ما يقال في ذلك -فيما يظهر لي-: إن حديث جابر الأول أرجح، لِمَا قارنه من عمل الخلفاء، وجمهور العلماء، وأهل المدينة، وغيرهم، والله أعلم.

وأيضًا فإن أحاديث الجمهور مشهورة متّفَقٌ على صحتها، وأحاديث الكوفيين ليست بمنزلتها في ذلك، فهي أولى.

[تفريع]: قال سفيان: الشريك أولى بالشفعة، ثمَّ الجار الذي حدُّه إلى حدّه، وقال أبو حنيفة: الشريك في الملك، ثم الشريك في الطريق، ثم الجار الملاضق، ولا حقّ للجار الذي بينك وبينه الطريق. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (٢).

(لَا يَحِلُّ لَهُ)؛ أي: لمالِكِ ما تقدّم من الربعة، أو الحائط، أو الأرض المشتركة (أَنْ يَبِيعَ)؛ أي: يبيع المذكور، فالمفعول محذوف (حَتَّى يُؤْذِنَ) من الإيذان، وهو الإعلام؛ أي: حتى يُعلم (شَرِيكَهُ) قال الشوكانيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "لا يحل له أن يبيع إلخ … ": ظاهره أنه يجب على الشريك، إذا أراد البيع أن يؤذِن شريكه، وقد حَكَى مثل ذلك القرطبيّ عن بعض مشايخه، وقال في "شرح الإرشاد": الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك، قال ابن الرفعة: ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا، ولا محيد عنه، وقد قال الشافعيّ:


(١) قال في "المفهم": "أن رجلًا قال"، وما هنا هو الذي في "صحيح البخاريّ"، فتنبّه.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٢٤ - ٥٢٧.