للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مالك في المشهور عنه، وأبو حنيفة، والشافعيّ، وعثمان الْبَتِّيّ، وابن أبي ليلى إلى أن له الرُّجوعَ في ذلك، وهذا الخلاف جارٍ في كل من أسقط شيئًا قبل وجوبه، كإسقاط الميراث قبل موت الْمُوَرِّث، وإجازة الوارث الوصية قبل الموت، وإسقاط المرأة ما يجب لها من نفقة وكسوة في السَّنة القابلة، ففي كل واحدة من تلك المسائل قولان. انتهى (١).

وقال الشوكانيّ رَحِمَهُ اللهُ: فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيع، وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع، فأذن فيه فباع، ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة، فقال مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، والهادوية، وابن أبي ليلى، والْبَتِّي، وجمهور أهل العلم: إن له أن يأخذه بالشفعة، ولا يكون مجرد الإذن، مبطلًا لها، وقال الثوريّ، والْحَكَم، وأبو عبيد، وطائفة من أهل الحديث: ليس له أن يأخذه بالشفعة، بعد وقوع الإذن منه بالبيع، وعن أحمد روايتان، كالمذهبين. ودليل الآخِرِين مفهوم الشرط، فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان من البائع، ودليل الأولين الأحاديث الواردة في شفعة الشريك والجار، من غير تقييد، وهي منطوقات، لا يقاومها ذلك المفهوم. ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات، عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم، والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع، وقد أمكن ههنا بحمل المطلق على المقيد. انتهى كلام الشوكانيّ رَحِمَهُ اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول الثاني، وهو عدم ثبوت الشفعة بعد الإذن هو الأرجح، وهو الذي مال إليه البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ، حيث ترجم في "صحيحه" بقوله: "باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، وقال الْحَكَم: إذا أذن له قبل البيع، فلا شُفعة له، وقال الشعبيّ: من بِيعت شفعته، وهو شاهدٌ، لا يُغيّرها، فلا شفعة له". انتهى.


(١) "المفهم" ٤/ ٥٢٧ - ٥٢٨.
(٢) "نيل الأوطار" ٥/ ٣٥٨.