رَجَع إليه عقله، وأفاق السكران إفاقةً، والأصل أفاق من سُكْره، كما استيقظ من نومه (١). (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟)؛ أي: ماذا أفعل فيه، وفي الرواية التالية:"فقلت: كيف أصنع في مالي؟ "، وفي رواية:"فقلت: يا رسول الله إنما يرثني كلالةٌ"، وفي رواية للبخاريّ:"ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ ".
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "فقلت: يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ إنَّما يرثني كلالة"، هذا السؤال كان قبل نزول آيات المواريث على ما يدلّ عليه قوله: فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، وقد تقدَّم: أن الحكم كان قبل ذلك وجوب الوصية للأقربين، وعلى هذا فيكون سؤال جابر للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: كيف أقضي في مالي؟ كيف أوصي فيه؟ وبماذا أوصي؟ ولمن أوصي؟ فأنزل الله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، فنَسَخَت وجوبَ الوصيَّة للأقربين على ما قدَّمناه، وأما إن كان الذي نزل في جوابه:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، فيكون هذا السؤال بعد نزول {يُوصِيكُمُ اللَّهُ}، وقبل نزول آية الكلالة، وهذا هو الأقرب والأنسب لقوله:"إنما يرثني كلالة"، وذلك السؤال هو الذي عَنَى الله تعالى بقوله:{يَسْتَفْتُونَكَ}، ثم قال:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}.
قال: وقد تقدم ذكر الاختلاف في اشتقاق الكلالة، وفي معناها في "كتاب الصلاة"، والقول هنا في بيان المختار من الأقوال، ولا شكَّ أن جابرًا قد أطلق على ورثته كلالةً، وما كان له وارث يومئذ سوى أخواته، فإن أباه كان قُتل يوم أُحد، وترك سبع بنات وجابرًا، فهنَّ اللاتي سَمَّاهنَّ كلالة، وهنَّ اللاتي أجيب فيهنَّ بقوله:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، ولم يكن له ولد، ولا والد.
فقد ظهرت صحَّة قول من قال: إن الكلالة هي ما عدا الولدَ والوالد، وإن الإخوة المذكورين فيها ليسوا إخوة لأم قطعًا؛ لأن أخوات جابر لم يكنّ لأم، ولأن الإخوة للأم لا يقتسمون للذكر مثل حظِّ الأنثيين، ومقصود هذه الآية: بيان حكم الإخوة، والأخوات للأب والأُمّ، أو للأب إذا لم يكن معهنَّ