للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولدٌ، ولا والدٌ، وإنما قلنا ذلك: لأن الولد مصرَّحٌ بنفيه في الآية بقوله: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، والأب أيضًا لا بدَّ من نفيه في هذه الآية؛ لأنه لو كان أبٌ مع الإخوة لحجَبهم كلَّهم جملة بغير تفصيل، وأمَّا الجدَّ مع الإخوة الأشقاء، أو للأب، فيقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث، فله أن يأخذه، وعلى هذا فالجدّ تصحُّ معه الكلالة؛ لأنه كالأخ معهم، وأما الآية التي في أول السورة فالمراد بالكلالة فيها: الإخوة للأم إذا لم يكن معهم ابن، ولا أب، ولا جدّ؛ لأن هؤلاء كلّهم يحجبون الإخوة للأم، ولقراءة سعد: "وله أخ أو أخت لأم"؛ ولأن الإخوة الأشقاء أو للأب لا يرث الواحد منهم السدس، ولا الاثنان فصاعدًا الثلث، وإنما ذلك فرض الإخوة للأم، فقد ظهر بهذا البحث الدقيق: أن القول ما قاله أبو بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-، وأمَّا قولا الاشتقاق: فكلاهما معنى صحيح بالاتفاق لأن من فقد الطرفين فقد تَكلَّله نفي المانعين، أو لأنه لمّا كلَّ منه الرحم الوالد وثب على متروكه الأباعد. انتهى (١).

(فَلَمْ يَرُدَّ) -صلى الله عليه وسلم- (عَلَيَّ شَيْئًا) قال في "الفتح": استُدلّ به على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يجتهد، ورُدّ بأنه لا يلزم من انتظاره الوحي في هذه القصّة الخاصّة عموم ذلك في كلّ قصّة، ولا سيّما وهي في مسألة المواريث التي غالبها لا مجال للرأي فيه.

سلّمنا أنه كان يمكنه أن يجتهد فيها، لكن لعلّه كان ينتظر الوحي أوّلًا، فإن لم ينزل اجتَهَد، فلا يدلّ على نفي الاجتهاد مطلقًا. انتهى، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦]) وفي رواية ابن جريج التالية: "فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} "، قال في "الفتح": هكذا وقع في رواية ابن جريج، وقيل: إنه وَهِمَ في ذلك، وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه الآية الأخيرة من النساء، وهي {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦]؛ لأن جابرًا -رضي الله عنه- يومئذٍ لم يكن له ولد، ولا والد، والكلالة مَن لا ولد


(١) "المفهم" ٤/ ٥٧٠ - ٥٧١.