للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو عمر: المعروف من كلام العرب أن كُلَّ ما تُمُوِّل وتُمُلِّك فهو مال، ألا ترى إلى قول أبي قتادة السَّلَمِيّ - رضي الله عنه -: "فابتعت - يعني: بسلب القتيل الذي قتله يوم حنين - مَخْرَفًا في بني سَلِمَة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام"؟، وقال الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣]، وأجمعوا أن العين مما تُؤخذ منه الصدقة، وأن الثياب والمتاع لا يؤخذ منها الصدقة، إلا في قول مَن رَأَى زكاة العُرُوض للمدير التاجر، نَضَّ (١) له في عامه شيء من العين، أو لم يَنُضّ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يقول ابن آدم: مالي مالي، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى، أو تصدق فأمضى، أو لبس فأبلى"، وهذا أبين من أن يحتاج فيه إلى استشهاد، فمن حَلَفَ بصدقة ماله، فذلك على كل نوع من ماله، سواء كان مما تجب فيه الزكاة، أو لم يكن إلا أن ينوي شيئًا بعينه، فيكون على ما نوى، ولا معنى لقول من قال: إن ذلك على أموال الزكوات؛ لأن العلم محيط، واللسان شاهد في أن ما تُمُلِّك وتُمُوِّل يسمى مالًا.

١٠ - (ومنها): جواز قبول الإمام الهدية، فإن كانت لأمر يختص به في نفسه أَنْ لَوْ كان غير والٍ، فله التصرف فيها بما أراد، وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين، وعلى هذا التفصيل يُحْمَل حديث: "هدايا الأُمراء غُلُولٌ"، فيخص بمن أَخذها، فاستبدّ بها، وخالف في ذلك بعض الحنفية، فقال: له الاستبداد مطلقًا، بدليل أنه لو ردَّها على مُهديها لجاز، فلو كانت فيئًا للمسلمين، لَمَا رَدّها، وفي هذا الاحتجاج نظرٌ لا يخفى، قاله في "الفتح" (٢)، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة التالية، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): ذكر الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله تعالى: أن في الحديث إباحةَ قبول الهدية للخليفة إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان منه قبولها على جهة الاستبداد بها، دون رعيته، أخرج


(١) يقال: نضّ الثمن: حصل، وأهل الحجاز يُسمّون الدراهم والدنانير نَضًّا وناضًّا إذا تحوّل عينًا بعد أن كان متاعًا، قاله في "المصباح" ٢/ ٦١٠.
(٢) "الفتح" ٧/ ٥٦٠.