للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البخاريّ في "صحيحه" من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقبل الهدية، ويثيب عليها" (١).

قال أبو عمر: قبول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهدايا أشهر، وأعرف، وأكثر من أن تحصى الآثار في ذلك، لكنه كان - صلى الله عليه وسلم - مخصوصًا بما أفاء الله عليه من غير قتال، من أموال الكفار أن يكون له خاصة، دون سائر الناس، ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه؛ لأن ذلك لا يكون له خاصة دون المسلمين بإجماع؛ لأنه فيء، وفي حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبيّة ما يدل على أن العامل لا يجوز له أن يستأثر بهدية، أُهديت إليه بسبب ولايته؛ لأنها للمسلمين.

ثم أخرج بسنده حديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من الأزد، يقال له: ابن الأُتْبية على الصدقة، فلَمّا قَدِمَ قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال: "فهلا جَلَس في بيت أبيه، أو بيت أمه، فينظر يُهدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة، يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغَاء، أو بقرة لها خُوَار، أو شاة تَيْعَر"، ثم رَفَع بيده (٢) حتى رأينا عُفْرة إبطيه: "اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت"؟ ثلاثًا، متّفقٌ عليه.

قال أبو عمر: وفي قوله في هذا الحديث: "إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه" دليلٌ على أنه غُلولٌ، حرامٌ نارٌ، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١]، وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "هدايا الأُمراء غُلول"، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ثور بن زيد هذا: "إن الشَّمْلة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا"، فكُلُّ مَن غَلّ شيئًا في سبيل الله، أو خان شيئًا من مال الله، جاء به يوم القيامة إن شاء الله، والغلول من حقوق الآدميين، ولا بُدّ فيه من القصاص بالحسنات والسيئات، ثم صاحبه في المشيئة.


(١) ذكر أبو عمر هذا الحديث من طريق ضعيف، ثم تكلم على ضعفه، فعدلت عنه إلى ما أخرجه البخاريّ، فتنبّه.
(٢) هكذا نصّ البخاريّ "بيده" بالباء.