بل وإرقاقٌ لها، وكان هذا من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ ليرتدعَ من يتساهلُ في أخذ الدَّين حتى لا تتشوش أوقاتهم عند المطالبة، وكان هذا كله في أول الإسلام، وقد حُكِي أن الْحُرَّ كان يُباع في الدَّين في ذلك الوقت، كما قد رواه البزار من حديث رجل من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يُقال له: سُرَّق، ثم نُسِخَ ذلك كله بقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠]، وقيل: إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنَّما كان يمتنع من الصلاة على من ادَّان دَينًا غير جائز أو في سعة، والأول أظهر؛ لقول الرَّاوي في الحديث: فلما فَتَحَ الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، مَنْ توفي وعليه دَيْنٌ فعلي قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته"، فهذا يعمّ الدُّيون كلَّها، ولو افترق الحال لتعيَّن التنويع، أو السؤال.
ويَحْتَمِل أن يكون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تبرَّع بالتزام ذلك على مقتضى كرم أخلاقه؛ لا أنه أمرٌ واجبٌ عليه.
وقال بعض أهل العلم: بل يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال كلّ الفقراء، اقتداء بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّه قد صرَّح بوجوب ذلك عليه، حيث قال:"فعليَّ قضاؤه"، ولأن الميِّت الذي عليه الدَّين يُخافْ أن يعذَّب في قبره على ذلك الدَّين، كما قد صحَّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حيث دُعِي ليصلي على ميِّت، فأُخبر أن عليه دَينًا، ولم يترك وفاءً، فقال:"صَلُّوا على صاحبكم"، فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله! وعليّ دَينه، فصلَّى عليه، ثم قال له:"قم فأدِّهِ عنه"، فلمَّا أدَّى عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "الآن حين بَرَّدتَ عليه جلدته"، وكما كان على الإمام أن يسدَّ رَمَقَهُ، ويراعي مصلحته الدنيوية كان أحرى وأولى أن يسعى فيما يرفع عنه به العذاب الأخروي. انتهى (١).
وقال في "الفتح": قال العلماء: كأن الذي فعله -صلى الله عليه وسلم- من ترك الصلاة على من عليه دَين؛ لِيُحَرِّض الناس على قضاء الديون في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها؛ لئلا تفوتهم صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهل كانت صلاته على من عليه دَيْن مُحَرَّمةً عليه، أو جائزة؟ وجهان، قال النوويّ رحمه الله: الصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن، كما في حديث مسلم، وحَكَى القرطبيّ أنه ربما كان يمتنع من