الصلاة على من استدان دَينًا غير جائز، وأما من استدان لأمر هو جائز، فما كان يمتنع، وفيه نظر؛ لأن في حديث الباب ما يدلّ على التعميم، حيث قال:"من تُوُفّي وعليه دَين … "، ولو كان الحال مختلفًا لبيّنه، نَعَمْ جاء من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا امتَنَعَ من الصلاة على من عليه دَين جاءه جبريل، فقال: إنما الظالم في الديون التي حُمِلت في البغي والإسراف، فأما المتعفف ذو العيال، فأنا ضامن له، أُؤدِّي عنه، فصلى عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال بعد ذلك: مَن تَرَك ضياعًا … " الحديث، وهو ضعيف، وقال الحازميّ بعد أن أخرجه: لا بأس به في المتابعات، وليس فيه أن التفصيل المذكور كان مستمرًّا، وإنما فيه أنه طرأ بعد ذلك، وأنه السبب في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك دَينًا فعليَّ".
وفي صلاته -صلى الله عليه وسلم- على من عليه دَين بعد أن فتح الله عليه الفتوح إشعارٌ بأنه كان يقضيه من مال المصالح، وقيل: بل كان يقضيه من خالص نفسه، وهل كان القضاء واجبًا عليه أم لا؟ وجهان.
وقال ابن بطال: قوله: "مَن تَرَكَ دَينًا فعليَّ" ناسخ لترك الصلاة على من فات، وعليه دَين، وقوله:"فعليَّ قضاؤه"؛ أي: مما يُفيءُ الله عليه من الغنائم والصدقات، قال: وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دَين، فإن لم يفعل فالإثم عليه إن كان حقّ الميت في بيت المال يَفِي بقدر ما عليه من الدَّين، وإلا فَبِقِسْطه. انتهى (١).
(فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وفي رواية الأعرج، عن أبي هريرة الآتية: "قال: والذي نفسي بيده إنْ على الأرض من مؤمن إلَّا وأنا أولى الناس به، فأيّكم ما ترك دَينًا، أو ضَيَاعًا، فأنا مولاه، وأيّكم ترك مالًا فإلى العَصَبة من كان"، وفي رواية همّام، عن أبي هريرة الآتية أيضًا: "وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله، فأيكم ما ترك دَينًا، أو ضَيْعةً فادعوني، فأنا وليّه، وأيّكم ما ترك مالًا فليؤثر بماله عَصَبته من كان".
(١) "الفتح" ٦/ ٨٤ - ٨٥، كتاب "الكفالة" رقم (٢٢٩٨).