للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيُحْمَل قوله: "لا يُحبَس"؛ أي: مُعَذَّبًا مثلًا، والله أعلم. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: قيل: إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقضيه من مال مصالح المسلمين، وقيل: من خالص مال نفسه، وقيل: كان هذا القضاء واجبًا عليه -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: تبرع منه، والخلاف وجهان لأصحابنا وغيرهم، واختَلَف أصحابنا في قضاء دَين من مات وعليه دَين، فقيل: يجب قضاؤه من بيت المال، وقيل: لا يجب. انتهى (٢).

(وَمَنْ تَرَكَ مَالًا، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ")؛ أي: فذلك المال يكون لورثته، وفي الرواية التالية: "وأيكم ترك مالًا، فإلى العصبة من كان وفي لفظ: "وأيكم ترك مالًا، فليُؤثر بماله عصبته من كان وفي لفظ للبخاريّ: "فليرثه عصبته من كانوا وفي رواية له: "فماله لموالي العصبة أي: أولياء العصبة.

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه أي: أقرب له من نفسه، أو أحقّ بالمؤمن به منها، ثم فسَّر وجهه بقوله: "من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دَينًا أو ضَياعًا فعليّ وإليّ وبيانه: أنه إذا ترك ضياعًا أو دينًا ولم يقدر على أنَّ يُخلِّص نفسه منه؛ إذ لم يترك شيئًا يسدُّ به ذلك، ثم خلّصه منه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقيامه به عنه، أو سدّ ضيعته؛ كان أولى به من نفسه؛ إذ قد فعل معه ما لم يفعل هو بنفسه، والله أعلم.

وأما رواية من رواه: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم" في غير "صحيح مسلم" فَيَحْتَمِل أن يُحْمَل على ذلك، ويَحْتَمِل أن يكون معناه: أنا أولى بالمؤمنين من بعضهم لبعض؛ كما قال تعالى: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٦٦]؛ كما أي: ليقتل بعضكم بعضًا، في أشهر أقوال المفسرين. انتهى (٣).

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؛ أي: أحقّ، قال أصحابنا: لو اضطرّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى طعام غيره، ومالكه مضطرّ إليه لنفسه كان له -صلى الله عليه وسلم- أخذه من مالكه المضطرّ، ووجب على مالكه بذله له -صلى الله عليه وسلم-، قالوا: ولكن هذا -وإن كان جائزًا- لم يقع. انتهى.


(١) "الفتح" ١٥/ ٤٢٩، كتاب "الفرائض" رقم (٦٧٣١).
(٢) "شرح النوويّ في ١١/ ٦٠.
(٣) "المفهم" ٢/ ٥١٠.