للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ضيعتك؟ فتقول: كذا. انتهى (١).

(فَادْعُونِي، فَأَنَا وَليُّهُ) قال ابن عطية رحمه الله: أزال الله بهذه الآية أحكامًا كانت في صدر الإسلام: منها أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان لا يصلي على ميت عليه دَين، فقال حين نزلت هذه الآية: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا أو ضَيَاعًا فعليّ، أنا وليّه، اقرءوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}. انتهى.

قال وليّ الدين: والذي تقدم من "الصحيحين" وغيرهما أنه -صلى الله عليه وسلم- فَعَل ذلك حين فَتْحِ الفتوح، واتساع الأموال، وكيف كان فهذا الحكم، وهو امتناعه -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة على من مات، وعليه دَين منسوخ بلا شكّ، فصار يصلي عليه، وُيوَفِّي دينه، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وهل كان ذلك محرَّمًا عليه أم لا؟ فيه خلاف لأصحابنا الشافعية، حكاه أبو العباس الرويانيّ في "الجرجانيات"، وحَكَى خلافًا أيضًا في أنه هل كان يجوز له أن يصلي مع وجود الضامن؟ وقال النوويّ رحمه الله: الصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن. انتهى.

والظاهر أن ذلك لم يكن محرَّمًا عليه، وإنما كان يفعله لِيُحرِّض الناس على قضاء الدَّين في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منه؛ لئلا تفوتهم صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليهم، فلما فَتَحَ الله عليه الفتوح، صار يصلي عليهم، ويقضي دَين من لم يَخْلُف وفاءً كما تقدم، والله أعلم.

(وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا) "ما" زائدة، كما تقدّم، وذِكْر المال خرج مخرج الغالب، فإن الحقوق تورّث، كالأموال، قاله وليّ الدين رحمه الله (٢).

وقوله: (فَلْيُؤْثَرْ بِمَالِهِ) ببناء الفعل للمجهول، من الإيثار، ونائب فاعله قوله: (عَصَبَتُهُ)؛ يعني: أنه ينبغي أن يؤثر عصبته بماله، فيُدفع إليهم، وفي رواية "فليُورّث" من التوريث، قال وليّ الدين: رحمه الله: قوله: "فليوَرث" بضم الياء، وفتح الواو والراء، وتشديدها، وقوله: "عصبتُهُ" مرفوع لنيابته عن الفاعل، وَيحْتَمِل نصبه، ويكون النائب عن الفاعل ضميرًا يعود على الميت - أي:


(١) "المفهم" ٢/ ٥٠٩.
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ١٩٧.