للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فِي سَبِيلِ اللهِ) -عَزَّوَجَلَّ-، وفي رواية عُقيل، عن الزهريّ: "أن عمر تصدّق بفرس"، والمعنى أنه ملّكه له، ولذا ساغ له بيعه، ومنهم من قال: كان عمر قد حبسه، وإنما ساغ للرجل بيعه؛ لأنه حصل فيه هُزَالٌ، عَجَزَ لأجله عن اللحاق بالخيل، وضعف عن ذلك، وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به، وأجاز ذلك ابن القاسم، ويدلّ على أنه تمليك قوله: "ولا تَعُد في صدقتك"، ولو كان حبيسًا لعلّله به، قاله في "الفتح".

وقال في موضع آخر: قوله: "في سبيل الله" ظاهره أنه حمله عليه حَمْلَ تمليك؛ ليجاهد به؛ إذ لو كان حَمْل تحبيس لم يجز بيعه، وقيل: بلغ إلى حالة لا يمكن الانتفاع به فيما حُبس فيه، وهو مفتقر إلى ثبوت ذلك، ويدلّ على أنه تمليك قوله: "العائد في هبته"، ولو كان حبسًا لقال: في حبسه، أو وقفه، وعلى هذا فالمراد بسبيل الله: الجهاد، لا الوقف، فلا حجة فيه لمن أجاز بيع الموقوف إذا بلغ غاية لا يُتَصَوَّر الانتفاع به فيما وُقِف له. انتهى (١).

(فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ) ومعنى إضاعته له: أنه لم يحسن القيام عليه، وقَصَّر في مؤونته، وخدمته، وقيل: أي لم يَعْرِف مقداره، فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل: معناه: استعمله في غير ما جُعل له، والأول أظهر، ويؤيده الرواية التالية من طريق رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم: "فوجده عند صاحبه، وقد أضاعه، وكان قليل المال"، فأشار إلى علة ذلك، وإلى العذر المذكور في إرادة بيعه، قال عمر - رضي الله عنه -: "فظننت أنه بائعه بِرُخْصٍ".

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله: "فأضاعه صاحبه"؛ أي: فرَّط فيه، ولم يُحسن القيام عليه، وهذا الذي قلناه أَولى مِن قول مَن قال: إنه حبسٌ في سبيل الله، قال: وبيعه إنما كان لمّا أضاعه صاحبه صار بحيث لا يصلح للجهاد، وهذا هو الذي صار إليه مالك تفريعًا على القول بجواز تحبيس الحيوان أنه يباع إذا هَرِمَ، ويُستبدل بثمنه في ذلك الوجه المُحْبَس فيه، أو يعين بثمنه فيه، والقول الأول أظهر؛ لِمَا ذكرناه، ولأنه لو كان ذلك لسأل عن هذا الفرس، هل تغيَّر عن حاله أم لا؟ ولنَظَر في أمره. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ٦/ ٤٧٦.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٧٨ - ٥٧٩.