للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ) -بضمّ، فسكون-: ضدّ الغَلَاء؛ أي: بثمن قليل، قال القرطبيّ رحمه الله: إنَّما ظن ذلك؛ لأنه هو الذي كان أعطاه إيَّاه، فتعلَّق خاطره بأنه يسامحه في ترك جزء من الثمن، وحينئذٍ يكون ذلك رجوعًا في عين ما تصدَّق به في سبيل الله، ولَمَّا فَهِم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذا نهاه عن ابتياعه، وسَمَّى ذلك عَوْدًا، فقال: "لا تبتعه، ولا تَعُدْ في صدقتك". انتهى.

(فَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ)؛ أي: عن حكم شرائه (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("لَا) ناهية، ولذا جُزم بها قوله: (تَبْتَعْهُ) وفي الرواية التالية: "لا تشتره"، قال في "الفتح": سُمِّي الشراء عَوْدًا في الصدقة؛ لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري، فأُطلق على القدر الذي يُسامَح به رجوعًا، وأشار إلى الرُّخْص بقوله: "وإن أعطاكه بدرهم ويستفاد من قوله: "وإن أعطاكه بدرهم" أن البائع كان قد ملكه، ولو كان مُحَبَّسًا كما ادَّعاه بعضهم، وجاز بيعه؛ لكونه صار لا ينتفع به فيما حُبِّس له لَمَا كان له أن يبيعه إلَّا بالقيمة الوافرة، ولا كان له أن يسامح منها بشيء، ولو كان المشتري هو المحبِّس، والله أعلم.

وقد استشكله الإسماعيليّ، وقال: إذا كان شرط الواقف ما تقدم ذكره في حديث ابن عمر في وقف عمر: "لا يباع أصله، ولا يوهب"، فكيف يجوز أن يباع الفرس الموهوب؛ وكيف لا يُنْهَى بائعه، أو يمنع من بيعه؟ قال: فلعل معناه أن عمر جعله صدقة، يعطيها من يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إعطاءه، فأعطاها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الرجل المذكور، فجرى منه ما ذُكِر.

ويستفاد من التعليل المذكور أيضًا أنه لو وجده مثلًا يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي. انتهى.

(وَلَا) ناهية أيضًا (تَعُدْ) -بضمّ العين: مضارع عاد إلى الشيء: إذا رجع إليه، قال الفيّوميّ: عاد إلى كذا، وعاد له أيضًا يعود عَوْدَةً، وعَوْدًا: صار إليه، وفي التنزيل: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا} [الأنعام: ٢٨] (١)؛ أي: لا ترجع (فِي صَدَقَتِكَ) ثم علّل نهيه عن العود في صدقته، فقال: (فَإِنَّ الْعَائِدَ) الفاء للتعليل؛ أي: لأن الراجع (فِي صَدَقَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ") الغرض من التشبيه تقبيح سورة


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٣٦.