للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد.

قال الحافظ رحمه الله: ثم ظهر لي وجه آخر من الجمع يَسْلَم من هذا الخدش، ولا يحتاج إلى جواب، وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يَهَب له شيئًا يخصّه به، وَهَبَه الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له، فارتجعها؛ لأنه لم يقبضها منه أحد غيره، فعاودته عمرة في ذلك، فمطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا، ورضيت عمرة بذلك، إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا، فقالت له: أشهدْ على ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تريد بذلك تثبيت العطية، وأن تأمَن من رجوعه فيها، ويكون مجيئه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للإشهاد مرّةً واحدة، وهي الأخيرة، وغاية ما فيه أن بعض الرواة حَفِظ ما لم يَحْفَظ بعضٌ، أو كان النعمان يَقُصّ بعض القصة تارةً، ويقصّ بعضها أخرى، فسمع كلٌّ ما رواه، فاقتصر عليه، والله أعلم.

قال الشوكانيّ رحمه الله بعد نقل جَمْعِ الحافظ المذكور ما نصّه: ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلّف. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أنه لا تكلّف في الجمع المذكور، بل هو أولى من غيره، فتأمله، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ) -بفتح النون، والمهملة- والنِّحْلة- بكسر النون، وسكون المهملة-: العطيّة بغير عوض (ابْنِى هَذَا)؛ يعني: النعمان -رضي الله عنه- (غُلَامًا، كَانَ لِي) قال القرطبيّ رحمه الله: كان هذا النُّحل منه بعدما سألته أمه، وهي عمرة بنت رواحة بعض الموهبة من ماله، كما قال في الرواية الأخرى. انتهى (٢).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أكل وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ " وفي رواية أبي حيّان التيميّ، عن الشعبيّ: "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟، قال: نعم"، وقال مسلم لمّا رواه من طريق الزهريّ: أما يونس، ومعمر فقالا: "أكلّ بنيك"، وأما الليث، وابن عيينة فقالا: "أكلّ ولدك".

قال في "الفتح": ولا منافاة بينهما؛ لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورًا أو إناثًا وذكورًا، وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورًا فظاهر، وإن كانوا إناثًا


(١) "نيل الأوطار" ١١/ ١٨٩.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٨٤.