للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكذلك الأمّ، وهو قول أكثر الفقهاء، وقد تقدّم تحقيق المذاهب، وأدلّتها في الباب الماضي، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.

١٥ - (ومنها): أنه يدلّ على الاحتياط في العقود بشهادات الأفضل والأكبر.

١٦ - (ومنها): أن فيه دليلًا: على أن حَوْز الأب لابنه الصغير ما وهبه له جائز، ولا يحتاج إلى أن يحوزه غيره؛ فإن النُّعمان كان صغيرًا، وقد جاء به أبوه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يحمله.

قال عياض: ولا خلاف في هذا بين العلماء فيما يُعرف لا بعينه، واختلف المذهب فيما لا يُعرف بعينه، كالمكيل، والموزون، وكالدراهم: هل يجزئ تعيينه، والإشهاد عليه، والختم عليه في الحوز، أم لا يجزئ ذلك حتى يخرجها من يده إلى يد غيره؟ وأجاز ذلك أبو حنيفة وإن لم يخرجه من يده (١)، وكذلك اختُلف في هبته له جزءًا من ماله مشاعًا.

قال القرطبيّ: وهذا الحكم إنما ينتزعه من هذا الحديث من حمل قوله: "فارجعه" على الاعتصار (٢).

واختلف العلماء فيما لم يُقْبَض من الهبات، هل تلزم بالقول، أم لا حتى تُقْبَض؟ فذهب الحسن البصريّ، وحمَّاد بن أبي سليمان، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل إلى أنَّها تلزم بالقول، ولا تحتاج إلى حوزٍ، كالبيع.

وقال أبو حنيفة، والشافعيّ: لا تلزم بالقول، بل بالحوز.

وذهب مالك: إلى أنها تلزم بالقول، وتتم بالحوز، وقد تقدم ذلك، والعلماء مُجْمِعُون على لزومها بالقبض، وهبة المشاع جائزة عند الجمهور، ومنعها أبو حنيفة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٣).


(١) لا يخفى أن ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله من عدم إخراجه من يده هو الأرجح؛ لحديث الباب، فتأمله.
(٢) "الاعتصار": هو ارتجاع المعطي هبته دون عِوَض، لا بطوع الْمُعْطَى. قاله الأبيّ رحمه الله في "شرحه" ٤/ ٣٣٠.
(٣) "المفهم" ٤/ ٥٨٨ - ٥٨٩.