أيها العقلاء ألا تسمعون إلى ما قاله فرعون في حقّ موسى عليه السلام، وقومه؛ تمويهًا وتلبيسًا على قومه:{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر: ٢٦]، زعم أن دينه هو الصلاح، وما جاء به موسى عليه السلام هو الفساد، وقال أيضًا:{مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر: ٢٩]، زعم أن ما عليه هو الرشاد، وما جاء به موسى عليه السلام هو الضلال، {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} الآية [الأعراف: ١٢٧]، زعموا أن ما أمرهم به فرعون هو الإصلاح، وما جاءهم به موسى عليه السلام هو الإفساد في الأرض.
تأملوا حقّ التأمل، كيف صوّر فرعون، والملأ من قومه موسى وأصحابه الذين جاءوا بالحقّ من عند الله تعالى مفسدين في الأرض، وأروا الناس، ولبّسوا عليهم أن الباطل الذي هم فيه هو الحقّ، وما أغنتهم التوراة بطولها، والآيات التسع ببيانها شيئًا، بل ازدادوا بها عتوًّا، وتجبّرًا في الأرض.
وهكذا أهل الضلال في كل مكان وزمان يرون ضلالهم حقًّا، والحقّ ضلالًا، ويرون أهلَ الحقّ مبطلين ضالّين، يُكَذَّب أهل الحقّ، ويُصَدَّق أهل الباطل، مصيبة ما بعدها مصيبة، إنا لله، وإنا إليه راجعون، اللهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين.
(المسألة الرابعة): أشارت عائشة -رضي الله عنها- في حديث الباب إلى ردّ ما أشاعته الرافضة والشيعة من أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أوصى إلى عليّ بالخلافة، وأن يُوفي ديونه:
فمن ذلك: ما أخرجه العُقيليّ وغيره في "الضعفاء" في ترجمة حكيم بن جُبير، من طريق عبد العزيز بن مروان، عن أبي هريرة، عن سلمان، أنه قال: قلت: يا رسول الله إن الله لم يبعث نبيًّا إلا بَيَّن له من يلي بعده، فهل بَيَّن لك؟ قال:"نعم، عليّ بن أبي طالب".
ومن طريق جرير بن عبد الحميد، عن أشياخ من قومه، عن سلمان: قلت: يا رسول الله مَن وصيك؟ قال:"وصيي، وموضع سري، وخليفتي على أهلي، وخير من أخلفه بعدي عليّ بن أبي طالب".