وقوله: (الْآخِرِ") بكسر الخاء، قيل: هو تأكيدٌ، كقولهم: أمس الذاهب، وقيل: لأن البعث وقع مرتين: الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعقلة إلى الحياة الدنيا، والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار، وأما اليوم الآخر، فقيل له ذلك؛ لأنه آخر أيام الدنيا، أو آخر الأزمنة المحدودة، والمراد بالإيمان به التصديق بما يقع فيه، من الحساب، والميزان، والجنة والنار، وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي المتقدّمة، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضًا.
زاد في الرواية التالية: "قال: صدقت"، وفي رواية النسائيّ: "قال: فإذا فعلت ذلك، فقد آمنتُ؟ قال: نعم، قال: صدقتَ".
[تنبيهٌ]: ظاهر السياق يقتضي أن الإيمان لا يُطْلَق إلا على من صَدَّق بجميع ما ذُكر، ولا يخالف هذا ما ثبت عند الفقهاء من اكتفائهم بإطلاق الإيمان على من آمن بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المراد بالإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الإيمان بوجوده، وبما جاء به عن ربه عزَّ وجلَّ، فيدخل جميع ما ذُكر تحت ذلك. والله تعالى أعلم (١).
(قَالَ) الرجل السائل (يَا رَسُولَ الله، مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ) أي: توحّده بلسانك على وجه يُعتدُّ به، فشَمِل الشهادتين، فيوافق هذا الحديث حديث عمر - رضي الله عنه - السابق، وكذا حديث:"بُني الإسلام على خمس … " الآتي، وجملة (وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) للتأكيد (وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ) أي: المفروضة (وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ)، زاد في رواية النسائيّ:"وتَحُجّ البيت".
قال النوويّ في "شرحه": أما تقييد الصلاة بالمكتوبة، فلقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: ١٠٣]، وقد جاء في أحاديث وصفها بالمكتوبة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، و"أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل"، و"خمس صلوات كتبهن الله".