للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، قال: بينا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "مره، فليتكلم، وليستظلَّ، وليقعد، ولْيُتِمَّ صومه"، فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- هذا الناذر بأن يقوم، ولا يقعد، ولا يتكلّم، ولا يستظلّ، ويصوم، ولا يُفطر بأن يتمّ صومه، ويتكلّم، ويستظلّ، ويقعد، فأمره بفعل الطاعة، وأسقط عنه المباح.

وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أيضًا: "إنما النذر ما يُبتغى به وجه الله".

والجواب عن قصّة التي نذرت الضرب بالدّفّ ما أشار إليه البيهقيّ، ويمكن أن يقال: إن من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبًا؛ كالنوم في القائلة؛ للتقّوِّي على قيام الليل، وأكلة السحر للتقوّي على صيام النهار، فيمكن أن يقال: إن إظهار الفرح بعَوْد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سالمًا معنًى مقصود يحصل به الثواب.

وقد اختُلف في جواز الضرب بالدف في غير النِّكَاح، والختان، ورجّح الرافعيّ في "المحرّر"، وتبعه النوويّ في "المنهاج" الإباحة، والحديث حجة في ذلك، وحَمَل بعضهم إذنه لها في الضرب بالدفّ على أصل الإباحة، لا على خصوص الوفاء بالنذر، كما تقدّم، ويُشكل عليه أن في رواية أحمد في حديث بُريدة: "إن كنتِ نذرت، فاضربي، وإلا فلا". وزعم بعضهم أن معنى قولها: "نذرتُ": حلفتُ، والإذن فيه البرّ بفعل المباح، ويؤيّد ذلك أن في آخر الحديث: أن عمر -رضي الله عنه- دخل، فتركت، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر"، فلو كان ذلك مما يُتقرّب به ما قال ذلك. لكن هذا بعينه يُشكل على أنَّه مباح لكونه نسبه إلى الشيطان.

ويجاب بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اطّلع على أنَّ الشيطان حضر لمحبّته في سماع ذلك؛ لِمَا يرجوه من تمكّنه من الفتنة به، فلَمّا حضر عمر فرّ منه؛ لعلمه بمبادرته إلى إنكار مثل ذلك، أو أن الشيطان لم يحضُر أصلًا، وإنما ذُكِر مثالًا لصورة ما صدر من المرأة المذكورة، وهي إنما شرعت في شيء أصله من اللَّهو، فلما دخل عمر -رضي الله عنه- خشيت من مبادرته لكونه لم يَعلَم بخصوص النذر،