للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أو اليمين الذي صدر منها، فشبّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حالها بحالة الشيطان الذي يخاف من حضور عمر -رضي الله عنه-، والشيء بالشيء يُذكر.

وَيقْرُب من قصّتها قصّة القينتين اللتين كانتا تُغنّيان عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في يوم عيد، فأنكر أبو بكر عليهما، وقال: أبمزمور الشيطان عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؟ فأعلمه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بإباحة مثل ذلك في يوم عيد، أفاده في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن أصل الدفّ من الشيطان؛ لأنه من آلات اللهو، ولذا قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "أبمزمور الشيطان … إلخ؟ "، ولكنه يباح في حالات، مثل إعلان النِّكَاح، ومثل الفرح بقدومه -صلى الله عليه وسلم- سالِمًا، فلذلك كان وفاء النذر به لازمًا، كما قال -صلى الله عليه وسلم- للمرأة: "أوف بنذرك"؛ أي: لكونه مباحًا في مثل هذا، وأما قصّة أبي إسرائيل، فالظاهر أنه إنما رخّص له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لتضرّره بذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في لزوم الكفّارة في نذر المعصية:

قال في "الفتح": اختُلِف فيمن وقع منه النذر في معصية، هل تجب فيه كفارة؟ فقال الجمهور: لا، وعن أحمد، والثوريّ، وإسحاق، وبعض الشافعية، والحنفية: نعم، ونقل الترمذيّ اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين، واتفقوا على تحريم النذر في المعصية، واختلافهم إنما هو في وجوب الكفّارة.

واحتَجَّ من أوجبها بحديث عائشة -رضي الله عنها-: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين"، أخرجه أصحاب السنن، ورواته ثقات، لكنه معلول، فإن الزهريّ رواه عن أبي سلمة، ثم بيَّن أنه حمله عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، فدَلَّسه بإسقاط اثنين، وحسن الظنّ بسليمان، وهو عند غيره ضعيف باتفاقهم.

وحَكَى الترمذيّ عن البخاريّ أنه قال: لا يصحّ، ولكن له شاهد من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما-، أخرجه النسائيّ، وضَعَّفه، وأخرج الدارقطنيّ من حديث عديّ بن حاتم نحوه.


(١) راجع: "الفتح" ١٣/ ٤٤٧ - ٤٤٨.