ملتزمًا بشيء، ثم بيَّن أن النذر آكد من اليمين، ورتّب عليه أنه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفّارة، بخلاف الحالف، وهو وجه للحنابلة، واحتُجَّ له بأن الشارع نهى عن المعصية، وأمر بالكفارة، فتعيّنت. انتهى ما في "الفتح"(١).
قال الجامع: عندي أن ما ذهب إليه فقهاء أصحاب الحديث من حملهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كفّارة النذر كفّارة يمين" على عمومه هو الحق، وعلى هذا فقول أحمد، وإسحاق، والثوريّ، وغيرهم من وجوب كفّارة اليمين في نذر المعصية هو الأرجح.
والحاصل أن من نذر شيئًا فهو مخيّر بين الوفاء بما التزم، وبين كفّارة يمين، وهذا إذا كان نذر طاعة، أو مباح، وأما إذا كان نذر معصية، فلا وفاء أصلًا، بل تجب الكفّارة؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا:"لا نذر في معصية، وكفّارتها كفّارة يمين"، وهو صحيح، كما أوضحته في "شرح النسائيّ"، ويؤيّده عموم حديث عقبة -رضي الله عنه- مرفوعًا:"كفّارة النذر كفّارة اليمين"، رواه مسلم.
وخلاصة القول في هذه المسألة أن الأرجح مذهب من قال بمشروعيّة الكفّارة في النذر مطلقًا، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في بيان أقسام النذر، ومذاهب العلماء في حكم كلّ قسم منها:
ذكر العلّامة ابن قُدامة رحمه الله في كتابه "المغني" أن النذر سبعة أقسام:
(أحدها): نذر اللَّجَاج والغضب، وهو الذي يُخرجه مخرج اليمين للحثّ على فعل شيء، أو المنع منه، غير قاصد به النذر، ولا القربة، فهذا حكمه حكم اليمين.