نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩]، ولحديث عائشة -رضي الله عنها-، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع الله، فليُطعه … " الحديث، رواه البخاريّ، وحديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما-، مرفوعًا:"ثم يجيء قوم ينذرون، ولا يَفُون … " الحديث، رواه البخاريّ أيضًا، قال: وهو ثلاثة أنواع:
[أحدها]: التزام طاعة في مقابلة نعمة استجلبها، أو نقمة استدفعها؛ كقوله: إن شفاني الله، فللَّه عليّ صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع؛ كالصوم، والصلاة، والصدقة، والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم.
[النوع الثاني]: التزام طاعة من غير شرط؛ كقوله ابتداءً: لله على صوم شهر، فيلزمه الوفاء به، في قول أكثر أهل العلم، وهو قول أهل العراق، وظاهر مذهب الشافعيّ، وقال بعض أصحابه: لا يلزم الوفاء به؛ لأنَّ أبا عمر غلام ثعلب قال: النذر عند العرب وعد بشرط، ولأن ما التزمه الآدميّ بعوض يلزمه بالعقد؛ كالمبيع، والمستأجر، وما التزمه بغير عوض، لا يلزمه بمجرّد العقد؛ كالهبة.
[النوع الثالث]: نذر طاعة، لا أصل لها في الوجوب؛ كالاعتكاف، وعيادة المريض، فيلزمه الوفاء به عند عامّة أهل العلم، وحُكي عن أبي حنيفة أنه لا يلزمه الوفاء به؛ لأنَّ النذر فرع على المشروع، فلا يجب به ما لا يجب له نظير بأصل الشرع.
قال: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يُطيع الله فليُطعه"، وذمّه الذين ينذرون، ولا يوفون، وقول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)} [التوبة: ٧٥ - ٧٧]، وقد صحّ أن عمر -رضي الله عنه- قال للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: إني نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟، فقال له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أوف بنذرك". متّفقٌ عليه، ولأنه ألزم نفسه قربةً على وجه التبرّر، فتلزمه، كموضع الإجماع، وكما لو ألزم نفسه أضحيّة، أو أوجب هديًا، وكالاعتكاف، وكالعمرة، فإنهم قد سلّموها، وليست واجبة عندهم، وما ذكروه يَبطُلُ بهذين