للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"ولتصم ثلاثة أيام" (١)، قال أحمد: إليه أذهب. وقال ابن عبّاس في التي نذرت ذبح ابنها: كفّري يمينك (٢)، ولو حلف على فعل معصية لزمته الكفّارة، فكذلك إذا نذرها.

فأما أحاديثهم، فمعناها لا وفاء بالنذر في معصية الله، وهذا لا خلاف فيه، وقد جاء مصرّحًا به هكذا في رواية مسلم، ويدلّ على هذا أيضًا أن في سياق الحديث: "ولا يمين في قطيعة رحم"؛ يعني: لا يبَرُّ فيها، ولو لم يبيّن الكفّارة في أحاديثهم، فقد بيَّنها في أحاديثنا، فإن فعل ما نذره من المعصية، فلا كفّارة عليه، كما لو حلف ليفعلنّ معصيةً، ففعلها. ويحتمل أن تلزمه الكفّارة حتمًا؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عيّن فيه الكفّارة، ونهى عن فعل المعصية.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال الثاني هو الظاهر؛ لظاهر النصّ، فتأمّل.

والحاصل أن الأرجح وجوب الكفّارة على من نذر أن يفعل معصية، سواء تركها، وهو الواجب عليه، أو فعلها مع حرمتها؛ لإطلاق النصّ، والله تعالى أعلم.

(القسم الخامس): المباح، كلبس الثوب، ورُكوب الدابّة، وطلاق المرأة على وجه مباح، فهذا يتخيّر الناذر فيه بين فعله، فيبَرُّ بذلك؛ لِمَا رُوي أن امرأة أتت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّفّ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوف بنذرك"، رواه أبو داود، ولأنه لو حلف على فعل مباح برّ بفعله، فكذلك إذا نذره؛ لأنَّ النذر كاليمين، وإن شاء تركه، وعليه كفّارة يمين، ويتخرّج أن لا كفّارة فيه، فإن أصحابنا قالوا فيمن نذر أن يعتكف، أو يصلّي في مسجد معيّن: كان له أن يصلي، ويعتكف في غيره، ولا كفّارة، ومن نذر أن يتصدّق بماله كلّه: أجزأه الصدقة بثلثه بلا كفّارة، وهذا مثله. وقال مالك، والشافعيّ: لا ينعقد نذره؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا نذر إلَّا فيما ابتغي وجه الله". وقد رَوَى ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ، إذا هو


(١) حديث الأمر بالصيام ضعيف، وإنما الصحيح الأمر بالهدي، فتنبّه.
(٢) صحيح موقوفًا.