للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابناه، ولفظه: "قال ابناه: يا رسول الله كان عليه نذر"، وقوله: (نَذَرَ) تقدّم أنه من بابي نصر، وضرب (أَنْ يَمْشِيَ)؛ أي: على قدميه بلا ركوب، يقال: مَشَى يمشي مَشْيًا، من باب رَمَى: إذا كان على رجليه سريعًا كان أو بطيئًا، فهو ماشٍ، والجمع مُشاةٌ، ويتعدّى بالهمزة والتضعيف، قاله الفيّوميّ رحمه الله (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "نَذَر أن يمشي" يعني به: إلى بيت الله تعالى؛ لأنَّه عرَّف نذر المشي، كما قال عقبة: إن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله تعالي، وقال الطحاويّ: إلى الكعبة، ولم يَرِد فيما صحَّ من الحديث أكثر من هذين اللفظين: بيت الله، والكعبة. والحق العلماء بهما ما في معناهما، مثل أن يقول: إلى مكة، أو ذكر جزءًا من البيت. وهذا قول مالك وأصحابه، واختلف أصحابه فيما إذا قال: إلى الحرم، أو مكانًا فيه، أو مكانًا من مدينة مكة، أو المسجد، هل يرجع إلى البيت أم لا؟ على قولين، وقال الشافعي: متى قال: عليَّ المشي إلى شيء مما يشتمل عليه الحرم؛ لزمه، وإن ذكر ما خرج عنه، لم يلزمه. وبه قال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن حبيب من أصحابنا، إلَّا إذا ذكر عرفات؛ فيلزمه وإن كانت خارج الحرم. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه في هذا مشي ولا مسير في القياس، لكن الاستحسان في قوله: إلى بيت الله، أو الكعبة، أو مكة فقط. وكل هذا إذا ذكر المشي، فلو قال: عليّ المسير إلى مكة، أو الانطلاق، أو الذهاب؛ فلا شيء عليه؛ إلَّا أن يقول: في حجِّ، أو عمرةٍ، أو ينويهما. وتردد قول مالك في الرُّكوب، وأوجب أشهب الحج والعمرة فيهما؛ كالمشي. وكل هذا: إذا ذكر مكة، أو موضعًا منها على ما فصّلناه، فلو قال: عليَّ المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة لم يلزمه المشي عند ابن القاسم، بل المضي إليها، وقال ابن وهب: يلزمه المشي. وهو القياس. ولو قال: إلى مسجد غير هذه الثلاثة، قال ابن الموَّاز: إن كان قريبًا كالأميال، لزمه المشي إليه، وإن كان بعيدًا لم يلزمه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن من نذر إلى أحد المساجد


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٧٤.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦١٨ - ٦١٩.